جريدة

أحمد العهدي: علاقات الاتحاد الأوروبي مع المملكة المغربية..بين الذريعة الحقوقية و الحقيقة الابتزازية

بادى ذي بدء ليس، أود التاكيد أن دافع كتابة هذا المقال المتواضع ليس هو تكريس الإقرار بأن بلدنا تجسد البلد المثالي و النموذجي لتطبيق سلطاته لحقوق الإنسان في مجال التعبير الحر عن آراء الصحافيين، لكني أقر بأن بلدنا من الدول التي قطعت أشواطا هامة على درب إرساء الهياكل الديمقراطية الرامية للارتقاء بها باستمرار، بل هي متقدمة على دول كثيرة من ضمنها الجارة الشرقية الشقيقة..

و الأكيد اليوم ، أن عددا كبيرا من المحللين السياسيين النزهاء الاشراف، بمن فيهم اهل الدار الأوروبية ، فطنوا الى ان البرلمان الاوروبي ، أحيانا، ياتي بثوب المساس بقضيتنا الوطنية العادلة ، و أحيانا يرتدي صدرية smoking ملف الهجرة ، و أحيانا يرتدي قناعا تنكريا لحرية التعبير الصحافي و حقوق الانسان…

 

صحيح جميل أن تكون هذه الغيرة الحقوقية من أعضاء البرلمان الأوروبي ، لكن حينما يصبح الأمر ورقة ضاغطة و منهجا ابتزازيا تعزيزا لأهداف دنيئة يمليها وهم وصائي ، في الوقت الذي لم تعد بلدنا تقبل بأي وصاية من أي جهة كانت..لقد ولى زمن الوصاية و الإملاء ، و حل زمن السلطة السيادية للمملكة المغربية..يقول المثل الانجليزي:” لا أحد يعلم أن حذائي يؤلمني”، و جاء في المثل العربي المتداول:” اهل مكة أدرى بشعابها “، وبالتالي ليس لأي دولة الحق في أن تتدخل في شؤوننا الداخلية.

وجدير ذكره أنه سبق لوزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج السيد ناصر بوريطة أن حذر، إثر استقباله ، سابقا ، وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ، في الرباط، من كون “الشراكة بين المغرب والاتحاد الاوروبي تواجه هجمات إعلامية متكررة وهجمات داخل البرلمان”.

على “الجمل” الذي لا يرى سنمه أن يكرس كل جهده و وقته للنهوض بحقوق الإنسان على مستوى شعوبه .. متى سيفهم اعضاء البرلمان الأوروبي، و هو يمارس لعبة هوايته الابتزازية الاستفزازية المعهودة، أن للمغرب خصوصياته ؟!! الم يكن حريا بأعضائه أن يهتموا بواقع و راهنية قضايا شعوبهم الذين هم مؤتمنون عليها ؟! هل استنفذوا معالجة كل الانشغالات التي تؤرقهم و تقض مضاجعهم ، وعالجوا كل قضاياهم ولم يبق في جدول عملهم سوى الملف الحقوقي المغربي ليطرح على مائدة التداول و النقاش؟!!

ألم يكن حريا بهذا البرلمان الأوروبي أن يهتم بشؤونه ويتخذ تدابيره السياسية والاقتصادية الكفيلة بالحد أو التخفيف من آثار أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار على القدرة الشرائية للمواطنين الأوروبيين؟!! أليست لديهم بدائل و صيغ اقتراحية يقدمونها لمفوضية الاتحاد الأوروبي بهدف إنقاد ميزانيات الدول الأوروبية الغارقة حتى ذقنها في عجز الميزانية العمومية ، الذي مع كامل الأسى و الأسف، بلغ مستويات غير مسبوقة بأثر اجتماعي خطير على الخدمات و أنظمة الحماية الاجتماعية و صناديق التقاعد؟؟!

لم لا ينشغل النواب الأوروبيون بحل الأزمة الروسية الأوكرانية لما يترتب عنها من تداعيات وخيمة و يشتغلون على مبادرة ديبلوماسية لإقناع الأطراف المعنية بوقف الحرب في أوكرانيا، خدمة للسلام وتجنيب القارة العجوز اتساع دائرة الحرب الضروس والحرص على تفادي احتمال حدوث اصطدام نووي بين روسيا و الحلف الأطلسي، سيكون كارثيا ، لا قدر الله؟!

هل صحيح أنه الى هذا الحد يستحق الملف الحقوقي ببلادنا هذه الضجة المفتعلة، و أن تكون له الأسبقية مقارنة مع ما يقع من مآسي حقوقية بالجملة في دول قريبة منا ؟! هل يجوز اعتبار وضع حرية الإعلام ووضع حقوق الإنسان في المغرب، أسوأ من وضعية الإعلام و الحرية و حقوق الإنسان في عدد من دول العالم، في أوروبا و إفريقيا و آسيا؟! و هل الوضعية الحقوقية في الجارة الشرقية الشقيقة ذات امتياز ؟! أم أن البحث عن الغاز ، كما الحب ، اعمى ، يعمي بصر و بصيرة بعض أعضاء النواب الأوروبيين الذين عادوا لا يرون إلا اللون المغربي، هم المصابون بعمى الألوان و ما فتئوا يغضون الطرف عن اختي و اخي الجزائري البسيط الذي يجتر على مضض همومه و يمضغ آلام مآسيه لوحده دون مرافع او مدافع؟!! الا يثيرهم ، إنسانية ، وضع أخواتنا و اخواننا في مخيمات تندوف ؟!

الحق أقول، بديهي أن ما يحدث هذه الأيام و يحاك من مناورات مكشوفة ، فيها الكثير من المكر والحقد والتحامل، ما هو إلا امتداد واسترسال لمنهج وقح و مواصلة لأجندات أوروبية ضد المغرب، علينا جميعا ان نحزم لها بما تستدعي من تعبئة وطنية شاملة و يقظة وشحذ الهمم والعزائم وتظافر الجهود، عبر تمتين الروابط و تقوية عرى اأواصر الجبهة الداخلية و رفع منسوب الثقة المجتمعية، بما يوطد آصرة الوحدة والتضامن و التعاضد..
حقا و صدقا، يبدو أن بعض الأطراف تصيبها عدوى نوستالجيا العهد الكولونيالي البائد، و هي تعرف في قرارة نفسها ، بما لا يدع مجالا للشك ، أن بلدنا كموقع جيو استراتيجي هام ، سائر في طريق تعزيز مواقفه السيادية و الذود عن حياض اختياراته الاستراتيجية، قادر اليوم و بكل ثقة و ثبات وجرأة ، أن يرفع التحدي و يكسب رهانه التنموي المنشود في سياق النموذج التنموي الجديد، و هو اليوم، و أكثر من أي وقت مضى ، ينطبق عليه ما جاء في مقطع يقول فيه الشاعر اللبناني ميخائيل نعيمة :
سقف بيتي حديد** ركن بيتي حجر
فاعصفي يا رياح ** وانتحب يا شجر
سقف بيتي حديد ** ركن بيتي حجر
باب قلبي حصين ** من صنوف الكدر

نعم فليسمع العالم، كل العالم ، أننا كدولة ، ملكا و حكومة و شعبا ، عاقدون العزم للمضي قدما وبخطى ثابتة على درب التضحية بالنفس والنفيس، ووضع راحتنا على راحتنا ، من أجل فرض احترام وحدتنا الترابية و كامل سيادتنا الوطنية،لأنها قضية وجود لا حدود ، و نؤكد على التعامل بالتقدير و الاحترام المتبادل الواجب في حق دولتنا ومؤسساتنا، وحينها يمكن أن نمضي سويا لبناء علاقات شراكة سياسية استراتيجية تخدم التنمية والتقدم والسلام بما فيه مصالح كل شعوب العالم. و خارج هذه الدائرة سنتصدى بالمرصاد لمن يريد إذلالنا بإخضاعنا لوصايته..
فيا اعضاء الاتحاد الاوروبي المعنيين نحترم سيادتكم و سيادة غيركم، و كل ما نطلبه منكم معاملة بالمثل.

ذ.احمد العهدي، عضو بمكتب الفرع الجهوي لمنتدى الصحراء للحوار والثقافات بجهة الداخلة وادي الذهب.