أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لا يمكن استمرار علاقة الشراكة بين حلف شمال الأطلسي “الناتو” والإدارة الإسرائيلية، وأن مبادرات التعاون بين الحلف وتل أبيب لن تحظى بموافقة أنقرة.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي مساء الخميس، عقب مشاركته في جلسة “مجلس الناتو وأوكرانيا” التي عقدت على هامش قمة الناتو بالعاصمة الأمريكية واشنطن.
وقال أردوغان: “من غير الممكن استمرار علاقة الشراكة بين الناتو والإدارة الإسرائيلية التي تنتهك القيم الأساسية لتحالفنا”.
وأوضح أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسياساتها التوسعية والمتهورة لا تُعرّض فقط أمن مواطنيها للخطر بل وأمن المنطقة بأسرها.
وذكر الرئيس التركي أنه في جميع لقاءاته خلال قمة الناتو لفتُّ الانتباه إلى الفظائع المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة في غزة.
وشدد على ضرورة أن يتكاتف أعضاء المجتمع الدولي من أجل حل الدولتين – فلسطينية وإسرائيلية – على أساس حدود العام 1967.
وأشار إلى أن تركيا قدمت شكوى ضد إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي مع دولة جنوب إفريقيا، وطالب الدول الأخرى بتقديم شكاوى ضد إسرائيل أيضا.
وأشار إلى أن قطاع غزة يشهد مذبحة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وأن نحو 40 ألف شخص بريء، معظمهم من النساء والأطفال، فقدوا حياتهم نتيجة للحرب الإسرائيلية.
وشدد أردوغان على أنه لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار العالميين دون توصل إسرائيل إلى حل دائم للقضية الفلسطينية.
وذكر أن إسرائيل التي تحاكم بتهمة الإبادة الجماعية تواصل تجاهل تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي وأوامر محكمة العدل الدولية.
وأكد أن مبادرات التعاون بين الناتو وإسرائيل لن تحظى بموافقة تركيا حتى يتم تحقيق السلام الشامل والمستدام في الأراضي الفلسطينية.
وأضاف أنه لا يمكن تحقيق السلام الدائم إلا إذا تم منح الفلسطينيين الذين يعانون من الاحتلال والقمع منذ عقود الحق في أن تكون لهم دولتهم المستقلة ذات السيادة.
وأعرب أردوغان عن سعادته من زيادة عدد الدول التي تعترف بفلسطين رغم كل الضغوط ومحاولات الترهيب.
وجدد استعداد تركيا لاتخاذ أي مبادرة بما في ذلك الضمانة لإعلان وقف إطلاق النار بقطاع غزة وثم إحلال السلام الدائم.
ودعا أردوغان جميع الحلفاء إلى زيادة الضغط على إدارة نتنياهو لضمان وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية دون انقطاع إلى شعب غزة، الذي يعاني من المجاعة منذ تسعة أشهر.
وأكد على أن تركيا اتخذت خطوات عديدة لمساعدة الفلسطينيين منذ اليوم الأول للهجمات الإسرائيلية.
وأوضح أن تركيا أرسلت مساعدات غذائية إلى غزة، وفتحت أبواب مشافيها لعلاج المصابين، مضيفا: “قُتل حوالي 40 ألف شخص في الهجمات، بينهم أطفال ونساء ومسنين، فضلا عن إصابة ما يقرب 100 ألف شخص، ونقوم حاليا بمعالجة المصابين الذين يأتون إلى مستشفياتنا”.
وأردف فيما يخص المساعدات الغذائية، أن تركيا أرسلت حوالي 40 ألف شاحنة وطائرة من المساعدات، بعضها إلى مدينة العريش المصرية وبعضها إلى معبر رفح، لافتا إلى استمرار هذه المساعدات.
وشدد على أنه “لا يمكننا ترك أشقائنا الفلسطينيين لوحدهم، كما نسعى بالشكل ذاته لتأمين احتياجاتهم من الماء والغذاء والملابس، من خلال جمعياتنا المعنية، وعلى رأسها الهلال الأحمر التركي، التي تبذل جهودا مكثفة في هذا الصدد”.
وفي هذا الصدد، طالب أردوغان، الدول الأخرى بتقديم شكاوى ضد إسرائيل أيضا، مؤكدا استمرار جهود وحملات تركيا بهذا الخصوص.
وأكد على ضرورة استخدام لغة تفهمها إسرائيل، معربا عن ثقته في أنه كلما ازداد عدد الدول المتقدمة بشكاوى سيكون من المفيد أكثر.
وفيما يتعلق بسؤال مفاده أن “حلف الناتو يقدم المساعدة لأوكرانيا رغم أنها ليست حليفا، لكن من جهة أخرى لا تقوم بنفس الشيء مع فلسطين، هل حدثتم الحلف بهذا الشأن؟”، أوضح أردوغان أنه لا ينبغي الخلط بين هذين الملف.
وذكر أن التطورات الحالية بين روسيا وأوكرانيا مختلفة ومضمون اللقاء مختلف، مضيفا: “من ناحية أخرى، الملف الإسرائيلي الفلسطيني مختلف تماما”.
وأردف: “كما تعلمون هناك حملات في العالم والعالم العربي ضد إسرائيل، وهناك خطوات يجري اتخاذها على الصعيد المالي، نحن نحاول أن نبذل قصارى جهدنا، وخاصة تركيا ودول الخليج، في الحرب الإسرائيلية الفلسطينية، وآمل أن تبذل الدول التي تتمتع بالضمير والنزاهة قصارى جهدها في هذا الصدد”.
وحول مكافحة الإرهاب، أشار الرئيس أردوغان إلى أن تركيا تنتظر التضامن من حلفائها بخصوص مكافحة الإرهاب الذي يعد أحد التهديدين الأساسيين اللذين حددهما الحلف، وأضاف: “هذا ما يتطلبه قانون التحالف”.
وأردف: “لا يمكننا قبول العلاقة المشوهة التي أقامها بعض حلفائنا وخاصة مع تنظيم بي وي دي/واي بي جي، الذي يعد امتدادا لتنظيم بي كي كي الإرهابي”.
وتابع: “ومن هنا أكرر دعوتي للتخلي عن هذه السياسات الخاطئة التي تضر بوحدة وسلامة الحلف”.
وشدد على ضرورة زيادة الجهود المشتركة في الحرب ضد الإرهاب، مبينا أن تركيا تدرك الوجه الوحشي والدموي للإرهاب جيدا.
وأضاف: “نحن الدولة الوحيدة في الحلف التي قاتلت تنظيم داعش وجها لوجه، وهزمت هذا التنظيم”.
ولفت إلى أن تركيا تحارب المنظمات الإرهابية الانفصالية وهياكلها المختلفة منذ 40 عاما.
وبخصوص شراء تركيا مقاتلات إف-16 من الولايات المتحدة، أوضح أنه تحدث مع نظيره الأمريكي جو بايدن، الذي قال له: “سأحل هذه المشكلة خلال 3 إلى 4 أسابيع”.
وردا على سؤال بشأن احتمالية لقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد، قال أردوغان: “لقد وجهت دعوة للأسد قبل أسبوعين إما للقدوم إلى تركيا أو الاجتماع في بلد ثالث”.
وأضاف: “ولقد كلفت وزير الخارجية (هاكان فيدان) بمتابعة هذا الأمر، ونريد من خلال اتصالاته بدء مرحلة جديدة وتجاوز هذا الخصام والقطيعة”.
وفيما يخص الصراع الأذربيجاني الأرميني واحتمال توقيع اتفاقية سلام أواخر العام الجاري، قال أردوغان إن نظيره الأذربيحاني “إلهام علييف هو من سيقرر ذلك، وليس أنا، ونأمل أن يتم اتفاق كهذا وسيادة أجواء السلام بين البلدين”.
وأردف: “خلال لقاءاتي مع رئيس الوزراء الأرميني (نيكول باشينيان) نرى أنه تم اتخاذ خطوات إيجابية هنا أيضًا، وفي محادثاتي مع أخي إلهام، فهو أيضا يؤيد اتخاذ خطوات إيجابية”.
وشدد على أن العالم وتلك المنطقة يتوقان إلى السلام، مؤكدا رغبتهم في تحقق ذلك في أقرب وقت ممكن.
أما فيما يتعلق بسعي تركيا للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، قال: “هدفنا أن نصبح عضوا دائما في المنظمة وليس عضوا مراقبا”.
وأكمل: “لو نجحنا في ذلك ستصبح تركيا من الدول الخمس دائمة العضوية في منظمة شنغهاي، وقد بحثت الأمر مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ، والكازاخي قاسم جومرت توكاييف، وطلبت الدعم من كافة الدول الأعضاء الدائمين”.
وفي سياق آخر، أكد أردوغان أنه بحث مع المستشار الألماني أولاف شولتس مسألة استيراد مقاتلات “يوروفايتر”، وأنه لم ير “مقاربة سلبية تجاه الموضوع.
“ومع استمرار المباحثات واجتماع وزير الدفاع مع نظيره الألماني رأينا أن هناك توجها إيجابيا، هناك تطورات إيجابية على الجانبين البريطاني والألماني، سنتابع الأمر ونتمنى أن يفضي لنتيجة إيجابية”، وفق أردوغان.
وحول الحرب الروسية الأوكرانية، لفت أردوغان إلى أن اجتماع مجلس الناتو وأوكرانيا كان مفيدا في التأكيد على دعم الحلف والحلفاء لأوكرانيا.
وأكد دعم تركيا الكامل لسلامة الأراضي الأوكرانية وسيادتها، وشدد على ضرورة عدم استبعاد الدبلوماسية وأن المفاوضات لا تعني الاستسلام.
وأضاف: “عبرت عن وجهة نظري بوضوح بأنه لا ينبغي السماح لحلف الناتو بأن يصبح طرفا في الحرب بأوكرانيا”.
وتابع: “سنواصل بكل حزم الحفاظ على الموقف المتوازن والهادئ والعادل الذي أظهرناه منذ اليوم الأول للصراعات بين جارتينا”.
ولفت أردوغان إلى أن تركيا تواصل جهودها بشكل مكثف منذ اليوم الأول لإنهاء هذه الحرب التي شعر الجميع بآثارها المدمرة والتي تعرض الأمن المشترك للخطر.
وذكر أن الرغبة الصادقة لتركيا هي استئناف المحادثات التي بدأت في إسطنبول وتوجت بمبادرة حبوب البحر الأسود، وإعطاء الدبلوماسية الفرصة.
وأضاف: “نعتقد أنه لن يكون هناك خاسرون في السلام العادل”.
وردا على سؤال عن المدينة التركية التي ستستضيف قمة الناتو بعد عامين، قال: “على الأرجح هذا يناسب إسطنبول، يمكننا عقد مثل هذه القمة في إسطنبول، عقدناها من قبل فيها وآمل أن نعقد مثل هذه القمة فيها مرة أخرى”.
وأضاف: “الجميع مع السلام، لذلك لا يوجد شيء ضد السلام، جميع القادة الذين أتحدث إليهم يعبرون عن أفكارهم في نفس الاتجاه، وأعتقد أن السلام سيسود في نهاية المطاف هنا”.
واستطرد: “أعتقد بشكل خاص أن القمة التي ستعقد في بلادنا ستكون قمة يتوج فيها السلام، وبطبيعة الحال ستتغير أشياء كثيرة حتى ذلك الحين، ونأمل أن تقوم وزارة خارجيتنا بإنشاء البنية التحتية لهذا العمل بأفضل طريقة ممكنة من خلال الاجتماعات التي سنعقدها ونتخذ خطواتنا وفقا لذلك”.
وبخصوص ممر الحبوب عبر إسطنبول برعاية اتفاق روسي أوكراني، قال: “إذا تمكنا من دمج الطرفين (أوكرانيا وروسيا) حول هذه القضية، نأمل أن نتمكن من اتخاذ خطوات مبادرة حبوب البحر الأسود، نعتقد أنه يمكننا تطوير مسيرة إسطنبول هذا هو توقعنا”.
كما تلقى أردوغان سؤالا عن الدعم الفرنسي لأرمينيا في منطقة القوقاز وتقويض ذلك للسلام في المنطقة بقوله “لن يكون من المناسب تقسيم السلام هناك”.
وذكر أنه التقى بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قائلا: “لكن في وقت لاحق إذا لزم الأمر، سنناقش هذه القضية مع السيد ماكرون، سنلتقي مرة أخرى قريبا وإذا كانت هناك بعض التطورات السلبية في المنطقة، فسأتحدث بهذا معه”.