جريدة

مأساة أرشيف سلا: حين يتحول إهمال المكان إلى عائق لتحقيق العدالة وضمان حقوق المواطنين

بقلم محمد عيدني

ماذا يقع بأرشيف المحكمة الابتدائية ب”سلا”؟. ومن المسؤول عن هاته الأوضاع التي تؤخر قضايا المواطنين وتضرب في العمق حقهم في الحصول على وثيقة أساسية؟. وهل البق والبرغوث هو المسؤول أم سلوك بشري وإداري عقيم وغير فعال؟. ولماذا تستمر هاته المعاناة المواطنية لمدة تزيد عن الشهر دون أن تلقى الحل؟.
أسئلة تبقى أساسية لمحاولة فهم واقع العطالة التي يعيشها أرشيف المحكمة الابتدائية ب”سلا”، في أزمة غير مسبوقة. فالمعطيات الرسمية من داخل المحكمة ترجع الأمر إلى تواجد “البق والبرغوت” وتوالده بشكل كبير. وهو ما يمنع من اقتحام الأرشيف، خوفا على سلامة الموظفين والمرتفقين في نفس الوقت. الأمر الذي يطرح إشكالية العناية بالمرفق وإخضاعه للصيانة.
فالواقع القائم بأرشيف ابتدائية “سلا” ونظرا لطول مدة إعلان حالة الإغلاق للمرفق عطل مصالح المواطنين. وضرب بالتالي حقهم في الحصول على الوثائق والمستندات القضائية.
وضع يعكس إشكالية أكبر تتعلق بعدم توفر الشروط الأساسية لبيئة عمل صحية وسليمة. والتي تؤثر بشكل مباشر على سير العدالة والأداء الإداري.
يناضل موظفو المحكمة، من أجل معالجة هذا الوضع المعشش بأركان الأرشيف. لكن جهودهم تبقى غير فعالة في القضاء على المشكلة لعدة اعتبارات. ضمنها غياب الوسائل والإمكانات للتعامل مع هاته الحشرات.
فمن المسؤول عن انتشار هاته الحشرات والحكم على الأرشيف بالإغلاق؟. وما الموانع التي تعوق حل الإشكال الذي طال أمده وعطل مصالح الناس؟. الواقع على الأرض يحمل انتشار هاته الحشرات بشكل مقلق. وهو ما يعوق عمل الموظفين والمواطنين على حد سواء. اعتبارا لكون الأرشيف هو العمود الفقري لحسن سير المرفق الإداري وتيسير سبل التقاضي. إذ أن هذا المرفق أساسي لضمان حقوق المواطنين في استرجاع وثائقهم وإتمام معاملاتهم الإدارية بسرعة وسلاسة.
لكن، وفي ظل نقص الموارد البشرية وضعف التدخل الإداري، باتت الأوضاع خارجة عن السيطرة. في المقابل عمق الإغلاق معاناة المواطنين. خاصة القادمين من مدن بعيدة، والذين يجدون أنفسهم عالقين أمام أبواب مغلقة. غير قادرين على الوصول إلى ملفاتهم أو إنجاز معاملاتهم.
ويبقى جهود الموظفين والقائمين على المصلحة جبارة. لكنها لن تكون كافية بدون تدخل حقيقي من الجهات المختصة لحل الأزمة بشكل جدي وفعال.
وضع يخلق حالة من الاستياء وسط المرتفقين بسبب عدم قدرتهم على الوصول لوثائقهم ومستنداتهم وهو ما يؤدي إلى تأخير إجراءاتهم الإدارية والقضائية. الأمر الذي ينعكس سلبا على ثقة المواطنين في المؤسسات.
كما أن غياب استراتيجيات واضحة للتعامل مع الوضع، يقلل من إمكانية منع تكرار هاته الأزمة مستقبلا. مع إلحاحية القيام بتدخل عاجل من الجهات المختصة، وتخصيص ميزانية طارئة لصيانة الأرشيف وتنظيفه. فضلا عن توفير كوادر بشرية كافية وإقامة برامج دورية لمراقبة نظافة الأرشيف والتعامل مع المشكلات الصحية بسرعة وفعالية.
وهو ما يفرض بقوة اعتماد خطة استثمارية شاملة لتحسين ظروف العمل، وتأهيل الأرشيف بشكل يلبي المعايير الصحية، ويضمن حق المواطنين في الحصول على خدمات قضائية سليمة وسريعة.
فما يعرفه أرشيف محكمة “سلا” من أزمة غير مسبوقة، لا يمكن حصرها في حشرات من قبيل البرغوث والبق بل في سيادة نمط تدبيري غير فعال وغير مواكب للمكان من جهة الصيانة والتطعيم والنظافة. وغير مدرك لاهمية المرفق باعتباره خزان وثائق المواطنين ومستنداتهم واساس تسييد العدالة. وكونه البوابة الرئيسية لضمان حقوق المواطنين في استرجاع ملفاتهم والتمتع بإجراءات قانونية سليمة. وما يزيد الوضع قثامة هو عدم وجود خطة واضحة لتأهيل الأرشيف وتحسين ظروف العمل، الأمر الذي أدى إلى تراكم الوثائق وتدهور الحالة الصحية للمكان.
قانونيا: ينص “المرسوم التشريعي رقم 2-09-62″ لعام 2009 على ضرورة حماية الوثائق والأرشيف الإداري. مشددا على ضرورة صيانتها بشكل دوري لضمان استمرارية عمل المؤسسات. كما أن “القانون رقم 11-03″، ذا الصلة بحماية البيئة. يؤكد على ضرورة الحفاظ على بيئة العمل من التلوث والأوبئة. فيما تلزم “المدونة الصحية للمؤسسات العمومية” الإدارة بضرورة تطبيق إجراءات النظافة والصيانة والتعقيم المستمر للأماكن العامة والإدارية.
فما الذي كدس أعداد الحشرات والأوساخ؟. الأكيد أن الامر يتعلق بنقص التدخل الإداري والمالي لصيانة الأرشيف والمرفق، على الرغم من مطالبات الموظفين، وهو ما أنتج هاته المحصلة المعطلة للإدارة ومصالح المتقاضين وطالبي الوثائق الإدارية. كما أن عدم وجود برامج للمراقبة الدورية. وغياب خطة واضحة للحفاظ على سلامة المكان، زاد من تفاقم الوضع.
وضع يعتبر انتهاكا لحقوق المواطنين من جهة تأخر استرجاع الوثائق أو تلفها. وهو ما يهدد حقوق الأفراد في التقاضي. ويتعارض بالتالي مع مبادئ حق الوصول إلى العدالة. الأمر الذي يؤثر على مصداقية المؤسسات القضائية. فالعدالة لا تكتمل إلا بحفظ الوثائق، فهي سجل التاريخ ومرآتها.
فالوضع القائم يقتضي تخصيص ميزانية عاجلة للصيانة والتعقيم مع ضرورة توفير موارد مالية فورية لإعادة تأهيل الأرشيف. وذلك عبر إبرام عقود مع شركات مختصة في النظافة والصيانة لضمان عمليات تعقيم دورية وتقليل انتشار الحشرات. وتوظيف وتدريب كوادر مختصة لإنجاز أعمال الصيانة والمراقبة المستمرة. إضافة لوضع خطة استراتيجية لتطوير الأرشيف. تشمل وضع معايير حديثة للحفاظ على الوثائق وتطوير أنظمة إلكترونية لرقمنة الأرشيف ضمانا لسلامة الوثائق وسهولة الوصول إليها.