جريدة

الأنتخابات الأمريكية الأستقطاب السياسي يطغى على المشهد السياسي .

بالرغم من عدم وجود توقعات أو مؤشرات قوية تفيد بأن الولايات المتحدة في طريقها نحو التفكك في وقت قريب، فإن طيفا من ذكرى الحرب الأهلية التي جرت في الفترة من 1861 إلى 1865 نتيجة لتوترات كبيرة بين الولايات الشمالية والجنوبية يتردد صداه بالتزامن مع التحضير للانتخابات المقبلة التي تشهد استقطابا لم تشهده البلاد منذ عقود.

 

 

 

وقال الخبير السياسي الأمريكي بروس ستوكس، في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس)، إن الحرب الأهلية الأمريكية نشبت بسبب قضية العبودية وإلى حد أقل بسبب حقوق الولايات ومستقبل الاقتصاد. وفي الفترة الزمنية التي تسبق انتخابات الولايات المتحدة لعام 2024، هناك حديث عن حرب أهلية أخرى تختمر حول مستقبل البلاد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وفي حين لا يوجد تهديد وشيك بتصادم جيوش في ساحة المعركة، فإن تزايد مشاعر التمرد المبالغ فيها هو نتاج إدراك متزايد بأن الولايات المتحدة الآن أكثر انقساما على طول الخطوط الإيديولوجية والسياسية من أي وقت مضى منذ خمسينيات القرن التاسع عشر.

 

 

 

 

 

 

 

ومن المرجح أن تكون الولايات المتحدة “المفتتة” على نحو متزايد أكثر انغلاقا على نفسها، ومنشغلة بالانقسامات الداخلية بشأن الهجرة والعرق والتفاوت بين أفراد الشعب، وقضايا الهوية الجنسية والنوع. ويتجلى هذا الاستيعاب الذاتي، بالفعل، في الانعزالية والحمائية على حساب التحالفات الأمنية والاقتصادية التي أفادت الولايات المتحدة والعالم إلى حد كبير لعقود مضت.

 

 

 

 

 

ويعتقد نصف من يصفون أنفسهم بالجمهوريين الأقوياء في أمريكا، الآن، (54 في المائة) أنه من المحتمل كثيرا أو إلى حد ما أن تكون هناك حرب أهلية أمريكية خلال العقد المقبل. وهناك أربعة من كل عشرة (40 في المائة) من الديمقراطيين الأقوياء يوافقون على ذلك.

 

 

 

 

ودعت النائبة مارغوري تايلور غرين، وهي عضوة يمينية في الحزب الجمهوري من ولاية جورجيا، إلى “طلاق وطني”، قائلة: “نحن بحاجة إلى الفصل بين الولايات الزرقاء والولايات الحمراء”، في إشارة إلى اللونيْن اللذين يرمزان إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

 

 

 

 

ويدعم واحد من بين أربعة أمريكيين (23 في المائة) فكرة انفصال ولاياتهم عن الاتحاد.

 

 

 

 

 

وقال ستوكس إنه يمكن رؤية هذا الانقسام في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 بين الولايات الزرقاء التي صوتت لجو بايدن والولايات الحمراء التي صوتت لدونالد ترامب، وكانت العديد من ولايات ترامب من بين تلك التي انفصلت عن الاتحاد في عام 1861.

 

 

 

 

ولكن يمكن أيضا رؤية دولتين ناشئتين عبر مجموعة من القضايا الاجتماعية المثيرة للانقسام، التي تعكس انقسامات أعمق من تلك التي تتجلى فقط في صناديق الاقتراع.

 

 

 

 

ومن بين 15 ولاية أمريكية لديها قوانين الإجهاض الأكثر تقييدا، صوتت جميعها لصالح ترامب في عام 2020 وكانت سبع ولايات في الأصل في الكونفدرالية.

 

 

 

 

 

ومن بين 21 ولاية لديها قوانين الأسلحة الأكثر تساهلا في عام 2023، صوتت 19 ولاية لصالح ترامب، وست ولايات كانت في عهد الكونفدرالية الأمريكية.

 

 

 

 

ومن بين الـ19 ولاية التي قررت في عام 2022 تشديد القوانين المتعلقة بالتصويت، صوتت 14 ولاية لصالح ترامب وسبع ولايات كانت في الكونفدرالية.

 

 

 

 

ومن بين الولايات الـ23 التي سنت تشريعا في عام 2023 يفرض قيودا على رعاية تأكيد النوع الاجتماعي، ومشاركة المتحولين جنسيا في الألعاب الرياضية المدرسية، والتعليم المدرسي الذي يتطرق إلى قضايا مجتم الميم والمسائل ذات الصلة، صوتت 22 ولاية لصالح ترامب وتسعة كانت في الكونفدرالية.

 

 

 

 

 

علاوة على ذلك، ظهرت هذه الانقسامات التي تعود إلى فترة الحرب الأهلية الآن في مواجهة دستورية بشأن قضية الهجرة. وفي يناير، أمرت المحكمة العليا الأمريكية ولاية تكساس بإزالة الأسلاك الشائكة التي وضعتها على طول نهر ريو جراندي لمنع المهاجرين من عبوره. ورفض جريج أبوت، حاكم تكساس، الامتثال، مدعيا أن الاتفاق بين الولايات والولايات المتحدة قد تم نقضه بفعل فشل الرئيس جو بايدن في وقف الهجرة غير الشرعية.

 

 

 

 

وقال ستوكس إن اقتراح أبوت بأن الدستور الأمريكي هو مجرد اتفاق يمكن للولايات تجاهله حسب تقديرها، يشبه بشكل مذهل الأساس المنطقي للكونفدرالية لقدرتها على مغادرة الاتحاد في عام 1861.

 

 

 

 

وما يضاعف من هذه الانقسامات هو التباين المتزايد في آراء الجمهور وتفضيلات الاقتراع بين المناطق الريفية والحضرية.

 

 

 

 

ومن حيث الرأي العام، يعتقد ما يقرب من ثلثي الأمريكيين الحضريين (64 في المائة) أن الهجرة تقوي المجتمع؛ بينما تقول غالبية (57 في المائة) من الأمريكيين الريفيين إنها تهدد العادات والقيم الأمريكية التقليدية. كما أن سبعة من كل عشرة (70 في المائة) من الأمريكيين الحضريين يرون أن الحكومة يجب أن تفعل المزيد لحل المشاكل. ويعتقد نصف من يعيشون في المناطق الريفية (49 في المائة) أن الحكومة تفعل الكثير من الأشياء التي من الأفضل تركها للشركات والأفراد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ومن حيث تفضيلات التصويت، فإنه من بين ست ولايات أكثر تحضرا، صوتت واحدة فقط لصالح ترامب وكانت أيضا في الكونفدرالية. ومن بين ست ولايات أقل تحضرا، صوتت أربع ولايات لصالح ترامب واثنتان كانتا في الكونفدرالية.

 

 

 

 

 

وتنعكس هذه الانقسامات المتزايدة في المجتمع الأمريكي في التحزب المتزايد في العديد من المواقف تجاه دور الولايات المتحدة في العالم والقضايا الدولية الملحة.

 

 

 

 

ويعتقد 70 في المائة من الجمهوريين الذين يدعمون ترامب أن المساعدات الأوكرانية لم تكن تستحق التكلفة، مقارنة بـ69 في المائة من الديمقراطيين الذين يقولون إنها كانت تستحق ذلك. وفيما يتعلق بالحرب بين إسرائيل و”حماس”، يعتقد ستة من كل عشرة (61 في المائة) من الديمقراطيين الليبراليين أن إسرائيل تذهب بعيدا جدا في عمليتها العسكرية ضد “حماس”؛ لكن 8 في المائة فقط من الجمهوريين المحافظين يوافقون على ذلك.

 

 

 

 

وتتجلى الانقسامات العميقة بين الناخبين الأمريكيين في التوقعات المبكرة للنتيجة المحتملة للانتخابات الرئاسية لعام 2024. في هذه المرحلة، يحكم تقرير كوك السياسي الذي يحظى باحترام كبير على بايدن بحصوله على 226 صوتا من أصل 270 صوتا ضروريا في المجمع الانتخابي، مع أغلبية (116) من ولايات الاتحاد السابقة. وحصل ترامب على 235 صوتا، مع أغلبية (135) من الولايات السابقة في الكونفدرالية. ولا يزال الإرث المستمر للحرب الأهلية قائما.

 

 

 

 

ومن غير المرجح أن تحل نتائج الانتخابات الأمريكية لعام 2024 هذه الخلافات؛ بل قد تعمقها في الواقع، أيا كان من يصبح رئيسا. ومثلما لم يقبل الجنوبيون أبدا نتيجة الحرب الأهلية بشكل كامل، فمن غير المرجح أن يقبل أنصار ترامب الذين يعتقدون أن انتخابات 2020 سرقت خسارته في عام 2024، مما ينذر بمزيد من الاستياء وتجدد العنف المحتمل. وإذا فاز ترامب، فقد يعزو أنصار بايدن ذلك إلى تخريب الانتخابات من جانب الحزب الجمهوري، مما يزيد من تنفير الديمقراطيين إزاء أقرانهم الأمريكيين.

 

 

 

 

 

 

ويحتاج أصدقاء أمريكا وحلفاؤها إلى فهم أن الولايات المتحدة أصبحت دولة غير متحدة الولايات. وهناك فعليا دولتان في أمريكا، وهما في حالة حرب. إنهما تتقاتلان حول القضايا الاجتماعية والسياسية والدستورية، وحول الدور الذي يجب أن تلعبه الولايات المتحدة في العالم. والانتخابات الأمريكية لعام 2024 هي مجرد معركة أخرى في هذه الحرب.