بقلم: الأستاذ محمد عيدني
تُعتبر مدينة فاس واحدة من أكثر المدن التاريخية ثراءً في العالم، حيث تمتاز بتراثها الثقافي العريق ومعمارها الفريد. لكن كما تواجه العديد من العواصم الثقافية، تعاني فاس من مشاكل معاصرة تهدد جاذبيتها. ومن أبرز تلك المشاكل، الفوضى التي تضرب محيط مطار سايس، والتي تشكل نموذجًا صارخًا للاحتلال غير المنظم للملك العمومي.
إن محيط مطار سايس، الذي يعتبر البوابة الجوية الرئيسية للمدينة، يفتقد للكثير من مقومات النظام والترتيب. فمع تزايد عدد وكالات كراء السيارات، أصبحت الشوارع القريبة من المطار تعاني من فوضى خانقة، إذ تزيح هذه الوكالات خطط النقل العمومي وتعطل الحركة، مما يجعل المرور من المنطقة أشبه بمغامرة بدلاً من تجربة سلسة. لقد أصبحت هذه الوكالات تنتشر بشكل عشوائي، مما يؤدي إلى احتلال المساحات العامة وعرقلة السير.
السبب وراء هذا التوسع السريع لوكالات كراء السيارات يعود إلى الطلب المتزايد على خدمات النقل بعد انفتاح المدينة على السياحة الدولية. إذ تمثل فاس مركزًا ثقافيًا وسياحيًا يستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم؛ لكن هذه الزيادة في الحركة تتطلب استجابة فعالة من قبل السلطات المحلية. للأسف، غياب الرقابة الفعالة والمتابعة الجادة يُظهر إهمالًا فظيعًا، مما يعكس ضعف المؤسسات في مواجهة هذه الظاهرة.
الاحتلال غير المشروع للملك العمومي من قِبل وكالات كراء السيارات له آثار بعيدة المدى، ليست فقط على الجوانب الاقتصادية وإنما أيضًا على البيئة الاجتماعية للمدينة. هذا الوضع يُحدِث انطباعًا سلبيًا لدى الزوار، حيث يشعرون بالفوضى والازدحام الذي يحتل الأماكن العامة، مما يؤثر على تجربتهم بشكل عام. كما أن الازدحام يؤثر على السكان المحليين، ويجعل تنقلاتهم اليومية أكثر صعوبة، ويساهم في خلق شعور عام من الإحباط والقلق.
من الواضح أن فاس بحاجة إلى سياسة واضحة وفعّالة تُعنى بإدارة الملك العمومي. يجب أن تُدرَج حلول مستدامة تهدف إلى إعادة تنظيم منطقة المطار بطريقة تضمن تدفقًا سلسًا للمرور، فضلاً عن توفير أماكن مخصصة لوكالات كراء السيارات بدون الاحتكاك بالمساحات العامة. يتطلب الأمر تعاوناً بين السلطات المحلية، ووكالات كراء السيارات، والمجتمع المدني لضمان دعم هذه المبادرات والمشاركة الفعالة في وضع حلول.
إن مواجهة هذه المشكلة ليست مهمة سهلة، لكنها ضرورية لضمان استدامة التطور الحضري في فاس. قد تكون الحلول متاحة، لكن الإرادة الفعلية لفعل شيء حيال ذلك هي ما تحتاجه المدينة اليوم. إذا لم يتم اتخاذ خطوات فعالة، فإن الفوضى ستستمر في تغطية جمال المدينة وتاريخها، مما سيقلل من إمكانية جذب المزيد من الزوار والمستثمرين.
في الختام، إن تعزيز التنسيق بين مختلف الفاعلين وتحقيق التوازن بين احتياجات السياحة وحقوق السكان المحليين هو المفتاح لإعادة النظام إلى محيط مطار سايس، وبالتالي الحفاظ على هوية فاس الحضارية والقطب الثقافي الذي تستحقه