عبدالإله الوزاني التهامي
ذاعت منذ 2018 حقيقة “كارثة بيولوجية” تمثلت في انتشار حشرة تسمى ب”الدودة القرمزية”، حيث أتت على آخر شجرة من أشجار التين الشوكي المعروفة ب”الهندية”.
وبعد أزيد من 5 أعوام من عمليات الإبادة المشكوك فيها لهذه الفاكهة الشعبية المباركة، يتحقق الآن بالضبط ما يشبه “المعجزة” الربانية، إذ يلاحظ في جل مناطق المغرب نمو وتفجر أغصان هذه النبتة واخضرارها، وكأنها لم تكن قاب قوسين أو أدنى من الانقراض والانمحاء. فسبحان من “يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها”.
تم انتشار “الحشرة القرمزية” انتشارا مخيفا فأحرقت أشجار الصبار ومحاصيلها بسرعة قياسية، حتى أشيع بين أوساط الفلاحين وعامة أبناء الشعب أن المسألة فيها “إن” وأن الأمر مكيد ومدبر ويندرج في سياق “المخطط الأغدر”، الذي برمج لصالح الإنتاج التصديري الموجه للخارج، لا الانتاج الاستهلاكي الموجه لصالح صغار الفلاحين والمستهلكين من عامة الشعب، فاعتقد أن ذلك الفيروس المسمى “الدودة القرمزية”، عبارة عن فيروس مفبرك مخصص للقضاء على هذه الفاكهة الشعبية المنتشرة في كل البراري والتخوم والمناطق.
وكأن ذلك دبر بليل من طرف شركات إسرائيلية بالخصوص لاحتكار التسويق والاتجار في هذه الفاكهة المطلوبة بكثرة في السوق المحلية والدولية. على غرار ما حدث ويحدث في موضوع فواكه وخضروات معروفة مثل “لافوكا” و”البطيخ” وغيرهما، المستعملين لاستنزاف المياه كمادة حيوية، وإخراجها من بلدان المنبت وتصديرها لدول بعينها، فضلا عن أرباحها الطائلة.
بعيدا عن سياسة احتكار والتحكم في إنتاج “البذور”، فإن المغاربة ورثوا “التين الشوكي” أبا عن جد، مثله مثل بذور القمح والشعير وكافة القطاني والخصروات، منذ قرون ولم نسمع قط بمرض أصاب هذا “الصبار” المقاوم للعطش، مثلما عشنا مؤخرا من انتشار مهول لمرض طارئ مدمر، أتى على الأخضر واليابس في رمشة عين.
الأخطر في الأمر أنه تم الإشهار لصبار إسرائيلي “معدل جينيا” صنع خصيصا كبديل للصبار المغربي التقليدي البلدي المشهور، والمفارقة الخطيرة أننا كنا أمام فاكهة تين شوكي طبيعي لا يتعدى ثمنه 5 دراهم للكيلوكرام الواحد، حتى أصبحنا نرى علبا لتين -الدلاحية- شوكي هجين ومحقون بأدوية يعرض في أسواق ممتازة بثمن لا يقل عن 40 دراهم مثله مثل أغلى الفواكه.
علما وكمعطى إيجابي فإن الصبار التقليدي لا يستنزف الفرشة المائية لأنه يعتمد على الأمطار مهما كانت تساقطاتها متباعدة وقليلة، ويتكيف مع نسبة التساقطات، وينعش الاقتصادات المحلية ويساهم في در مدخول محترم لغالبية الأسر القاطنة في البادية مساهما بذلك في التخفيف من آفة الفقر وفي امتصاص البطالة. ولا يحتاج لمغطات ولا لمعدات خاصة.
لهذا آن الأوان لتثمين زراعة هذه النبتة المباركة، واستخراج عصائرها، وتسهيل عمليات تصنيعها وتوزيعها، ودعم اليد العاملة والفلاحين المهتمين بزراعتها وتربيتها، لما لذلك من مردود اقتصادي مهم جدا. كأسلوب اقتصادي جديد يقوم على تنويع موارد ومصادر دخل سكان البوادي، ويقوم على توفير الاكتفاء الذاتي من هذه الفاكهة المهمة.
دق الفلاحون ناقوس الخطر وهم ينظرون أمام أعين آلاف أشجار التين الشوكي تحترق وتموت وتتساقط، وكأنها في طريقها إلى الانقراض، فقاوموا ذلك بطرق تقليدية بسيطة، كاستعمال “جافيل” وبعض الأدوية المصنوعة باليد ورشها فوق الصبار دون معرفة مفعول ذلك، أمام عدم تدخل الوزارة والمعنيين عموما، إلى أن شوهدت في الآونة الأخيرة دلائل الحياة تسري في عروقها وتحيي نبتتها مستئنفة عملية النمو والاخضرار والإثمار.
وفي هذا الصدد -كمثال-، ومواجهة للفيروس لتفادي الانقراض، “تم برمجة تشجير 300 هكتار في السنة المقبلة بإقليم تطوان”، وتم تخصيص دواء بالمجان لمحاربة هذا الدّاء المذكور.
وبغض النظر عن كون “الحشرة القرمزية” مرض طبيعي، أم هو “مخطط برجوازي” يندج ضمن سياسة المستثمرين الجشعين، الغرض منه احتكار عملية “الاتجار والتسويق” في هذه الثروة الطبيعية، فإن الطبيعة قالت كلمتها الفصل عكس التيار، وأعادت الحياة للصبار المنتج لأحلى وأرخص فاكهة شعبية. وها هي الآن تخضر وتترعرع وتزهر وتثمر.