كشفت واشنطن عن خطة سلام مفصلة لإنهاء الحرب مع روسيا، مما أثار ردود فعل متباينة بين ترحيب روسي ورفض أوكراني وحيرة أوروبية، في وقت دافع فيه نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس عن المقترح معتبراً أن الاعتقاد بأن الأسلحة والعقوبات وحدها يمكن أن تحقق النصر “مجرد وهم”.
دافع نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس عن خطة السلام التي أعدتها إدارة ترامب، معتبراً أن منتقديها “إما أساؤوا فهمها أو لديهم تصورات خاطئة عن الحقائق على الأرض”. وأكد فانس أن أي خطة للسلام يجب أن “توقف الخسائر البشرية مع الحفاظ على سيادة أوكرانيا، وأن تكون مقبولة من كلٍّ من روسيا وأوكرانيا”.
في تصريح لاحق، أوضح فانس أن “من يعتقد أنه يمكن بالعقوبات ضد روسيا والدعم العسكري لأوكرانيا إنهاء النزاع فهو واهم”, مشدداً على ضرورة تبني مقاربة أكثر واقعية تستند إلى إدراك ميزان القوى الفعلي.
تتكون الخطة الأمريكية من 28 بنداً، وتتضمن مجموعة من النقاط التي تشرح سبب إثارة الجدل:
البنود الإقليمية: تنص الخطة على “الاعتراف بشبه جزيرة القرم ولوغانسك ودونيتسك بوصفها مناطق روسية بحكم الأمر الواقع”، مع “تجميد وضع خيرسون وزابوريجيا على طول خط التماس”. وهذا يعني تنازلاً أوكرانياً عن أراضٍ إضافية.
القيود العسكرية: يُحدد عدد أفراد القوات المسلحة الأوكرانية بـ600 ألف عنصر، مع “نص دستوري يمنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو”، وموافقة الحلف على “عدم نشر قوات في أوكرانيا”.
الحوافز الاقتصادية: تقترح الخطة رفع العقوبات تدريجياً عن روسيا وإعادة دمجها في الاقتصاد العالمي، بما في ذلك دعوتها “للانضمام مجدداً إلى مجموعة الثماني”. كما تتضمن استخدام 100 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة في جهود إعادة إعمار أوكرانيا.
وفقاً لتقارير، نتجت الخطة عن اجتماع سري عُقد في ميامي في نهاية أكتوبر الماضي، جمع بين المبعوث الخاص للرئيس ترامب ستيف ويتكوف، وصهره جاريد كوشنر، والمبعوث الروسي كيريل دميترييف المقرب من بوتين.
وقد أثار هذا الاجتماع تساؤلات داخل الأوساط السياسية الأمريكية، لا سيما وأن الإدارة الأمريكية أصدرت “إعفاءً خاصاً” للسماح بدخول دميترييف إلى البلاد رغم كونه خاضعاً للعقوبات الأمريكية. وأفادت مصادر بأن العديد من المسؤولين الكبار في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي لم يتم إطلاعهم على الخطة، كما تم استبعاد المبعوث الخاص لأوكرانيا كيث كيلوج من المحادثات.
بعد اجتماع ميامي، انتقلت الخطة إلى الجانب الأوكراني عبر قنوات متعددة. أفاد مصدر مطلع أن ويتكوف قد أبلغ رستم عمروف (أمين المجلس الوطني الأوكراني للأمن والدفاع) بالخطة خلال زيارة له إلى ميامي. بعد ذلك، قدمت الولايات المتحدة الخطة رسمياً إلى أوكرانيا عبر الحكومة التركية، قبل أن تُعرض مباشرة في كييف.
وقد واجهت الخطة رفضاً قوياً من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي تعهد بعدم التنازل عن مصالح أوكرانيا. واصفاً المقترحات الأمريكية بأنها تنذر “بحياة بلا حرية، وبلا كرامة، وبلا عدالة”.
الموقف الروسي: رحب الرئيس فلاديمير بوتين بالخطة الأمريكية، معتبراً أنها “قد تشكل أساساً للتسوية السلمية النهائية”، ومؤكداً استعداده “لمناقشة معمقة لكل تفاصيل النص”.
الموقف الأوكراني: يرفض زيلينسكي الخطة ويسعى للحصول على دعم حلفائه الأوروبيين، حيث أجرى مشاورات طارئة مع قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
الضغط الأمريكي: هدد الرئيس ترامب بتقييد المساعدات العسكرية لأوكرانيا إذا لم توافق على الخطة، معلناً أنه يتوقع توقيع زيلينسكي عليها بحلول عطلة عيد الشكر.
مع استمرار الضغط الأمريكي على كييف، وإصرار الأخيرة على عدم التنازل عن سيادتها، تدخل عملية السلام في مرحلة مصيرية. المشاورات العاجلة التي أجراها زيلينسكي مع حلفائه الأوروبيين تهدف لتوحيد الموقف الأوروبي تجاه الخطة الأمريكية التي تستبعد الأوروبيين بشكل ملحوظ من صناعة القرار.
الخطة الأمريكية التي ولدت من رحم اجتماعات سرية بين مبعوثي ترامب وبوتين، تواجه الآن اختباراً حاسماً على طاولة المفاوضات، حيث يحاول كل طرف تحقيق أكبر مكاسب ممكنة بينما يستمر الصراع الدامي في أرض المعركة.