جريدة

الزحيليگة… التاريخ المدفون والحاضر المجهول

تقرير: رشيد سبابو

أغلبية المغاربة إذا سألتهم عن الزحيليگة القرية لن تجد عندهم جوابا عن مكانها، لكنهم بالتأكيد سيتعرفون على الزحيليگة النكتة، حيث دأب الكثيرون على وصف الآخرين إذا ما تصرفوا بطريقة غبية أو بليدة بأنهم قادمون من الزحيليكة، فيقال “مَالكْ واشْ جايْ من الزّحيليكَة”. هذه النكتة التي لا يعرف أحد مصدرها جعلت من تلك القرية الصغيرة التي تعتبر بوابة الأطلس المتوسط كأنها لا وجود لها في الحقيقة.

 

الزحيليگة.. الجماعة المجهولة

تقع جماعة الزحيليگة ضمن حدود جهة الرباط سلا القنيطرة، وتنتمي إلى دائرة مدينة الرماني التي تبعد عنها بحوالي 30 كلم، وتقع في موقع جغرافي مهم، حيث تمر منها الطريق الجهوية الرابطة بين مدينتي وادي زم والعاصمة الرباط. تجاور الزحيليگة من الشمال مدينة الرماني، ومن الجنوب مدينة وادي زم، أما من الشرق فتوجد جماعة مولاي بوعزة ومن الغرب جماعة الغوالم. ويسكن بها أزيد من 20.000 نسمة

تأسست جماعة الزحيليگة حسب الروايات الشفهية للساكنة سنة 1911 (قبل فرض الحماية الفرنسية على المغرب بسنة واحدة)، وسميت أنذاك ب “كريستيان”، هذا الأخير يقال أنه كان ضابطا فرنسيا مات مقتولا على يد القبائل الزعرية المسلحة التي كانت تقود المقاومة في المنطقة. أما سبب تأسيس الجماعة فهو راجع إلى أن عددا من شيوخ الزاوية التيجانية انتقلوا من منطقة سوس إلى زعير حيث قاموا ببناء زاوية للتعبد، وسرعان ما ذاع صيتها بين الناس وبدأوا في الانتقال والسكن جوارها، فتشكل بذلك تجمع سكاني كبير أطلق عليه “دوار الزاوية”.

بالنسبة للتسمية الحالية للزحيليگة فقد تعددت الروايات حول أسبابها، لعل أبرزها روايتين؛ تقول الأولى أن التسمية جاءت من اسم امرأة فرنسية كانت تدعى “زليخة”، كانت هذه الأخيرة تملك حانة بمنطقة الكانتينة، أما الرواية الثانية فتقول أنالتسمية مشتقّة من كلمة “الزليليقة”،ويطلبق هذا الإسم على هضبة من الأحجار -لازالت موجودة حتى الآن بجانب عين الماء وسط الجماعة- يتزحلق فيها الأطفال من أجل التسلية. ونشير هنا إلى أن أشهر مكان للتزحلق على الحجر في المغرب لا يبعد عن الزحيليگة إلا بحوالي 48 كلم، وهو مولاي بوعزة الذي يتزحلق فيه الناس على الحجر من أجل معرفة ما يخبئه المستقبل، ولا تزال هذه العادة منتشرة إلىاليوم.

الزحيليكة اليوم، والمشاكل الراهنة

تعتمد ساكنة الزحيليگة بالدرجة الأولى على تربية المواشي، وكذا زراعة الحبوب والمواد الفلاحية. بالإضافة إلى السوق الأسبوعي الذي يكون كل يوم خميس، والذي يعتبر من أكبر وأهم الأسواق بالنسبة للساكنة والكسّابة في المناطق المجاورة. وكدعم من المجلس الجماعي للمقاولات، أنشأ هذا الأخير مُجمّعًا من المحلات التجارية يقوم بإيجارها للساكنة مقابل مبالغ رمزية.

أمابالنسبة للبنية التحتية للجماعة، توجد مدرستين ابتدائيتين، ومدرسة إعدادية وثانوية، بالإضافة إلى دار شباب (مغلقة حسب معاينتنا لعين المكان)، دار الطالب، ملعب كرة قدم غير مجهز، مستوصف و صيدليتين، أربع مساجد والعديد من المقاهي.

تشتكي ساكنة جماعة الزحيليگة من العديد من المشاكل، أبرزها مشكل البنية التحتية (الطرقات في حالة سيئة جدا رغم أنها تربط بين العاصمة الرباط وباقي المناطق المجاورة، غياب مراكز تكوين الشباب حيث يبعد أقرب مركز تكوين بحوالي 85 كلم ويقع في مدينة عين العودة، بالإضافة إلى دار الشباب المغلقة والتي تبدو وكأنها دار مهجورة، وكذلك المستوصف الذي لا يحضر له الطبيب إلا يومي الإثنين والخميس، وتتساءل الساكنة هل طبيب واحد سيتحمل مسؤولية 20.000 نسمة؟، ناهيك عن مشكل انقطاع الماء والكهرباء باستمرار.

وكذلك مشكل البطالة في ظل عدم تواجد فرص للشغل غير العمل في الفلاحة ورعي الماشية، مما دفع الكثير من الشباب في العقدين الأخيرين إلى الهجرة نحو المدن المجاورة.

هذه فقط أبرز المشاكل التي تطالب الساكنة إيجاد حل سريع لها من أجل ضمان حقهم في العيش الكريم ليس إلا، هذه المطالبات التي لازالت كما هي منذ ولاية الوزير السابق الإستقلالي “بوعمر تغوان” الذي جلس على كرسي رئاسة الجماعة لثلاث ولايات متتالية دون أي إصلاحات تذكر، وحتى بعد الإطاحة به سنة 2021 من طرف “الشاكيري عبد الباقي” المنتمي للأصالة والمعاصرة لم يتغير شيء بعد، حيث تستمر الحروب السياسية التي لا متضرر منها غير الساكنة التي لا حيلة في يدها .