جريدة

السريالية في المغرب: الفن الذي يربط الواقع بالخيال

بقلم: الأستاذ محمد عيدني

في زمن يتسم بتسارع التغيرات الاجتماعية والثقافية، تظل السريالية واحدة من الفنون التي تثير الشغف وتعكس العمق في النفس الإنسانية. يعتبر المغرب، بتاريخه الغني وثقافته المتنوعة، موطنًا للعديد من الفنانين والمفكرين الذين ساهموا في تشكيل هذه الحركة الفنية. لذا، تستحق السريالية في المغرب دراسة متعمقة، ليس فقط من منظور الفن، بل أيضًا من وجهة نظر الفلسفة والأفكار التي تغذيها.

السريالية: مفهوم وتاريخ

أسست الحركة السريالية في أوائل القرن العشرين، وهي تستند إلى استكشاف اللاوعي وتجسيد الأحلام من خلال الفن. يتجاوز الفنانون السريون القيود التقليدية، ويرسمون عوالم تسافر بالمتلقي بين الواقع والخيال. ينظرون إلى الفن كوسيلة للتعبير عن الصراعات الداخلية، مما يجعل الحركة تعكس واقع الإنسان المعاصر.

المغرب: جسر بين الثقافات

استقطب المغرب منذ أوائل القرن العشرين مجموعة من الفنانين والمفكرين السرياليين مثل أندريه بريتون، الذي وجد في هذا البلد مصدر إلهام لا ينضب. كانت الطبيعة الخلابة للمغرب وتنوع ثقافاته تؤثر في أعماله، مما جعله يرى في المغرب كجسر يربط بين الحضارات والثقافات المختلفة.

فلسفة السريالية لا تتوقف عند الحدود الفنية، بل تمتد لتغطي مجالات الفلسفة والنقد الاجتماعي. على سبيل المثال، يعتبر الفيلسوف المغربي عبد الله العروي من الشخصيات البارزة التي تطرقت إلى تأثير الفكر السريالي على المجتمع المغربي، حيث قيم العروي أهمية الأحلام واللاوعي في فهم الهوية والتراث، مما يعكس العمق الفلسفي لهذه الحركة.

السريالية في الفن المغربي المعاصر

تجسد أعمال الفنانين المغاربة منذ تلك الفترة تداخلًا بين الموروث الثقافي والتوجهات السريالية. لقد استخدم محمد المليحي، على سبيل المثال، الألوان الزاهية والأشكال المجردة ليعبر عن انتمائه لهذا التراث الثقافي الغني. كما كان لأحمد الشرقاوي دور بارز في تعريف المشهد السريالي بالمغرب، حيث استلهم أفكاره من التجارب الشخصية والعوالم الحلمية.

التأثيرات الثقافية والتغيرات الاجتماعية

روّجت السريالية لفكر جديد يربط بين الفنون كافة، مما أسهم في تعزيز الثقافات المحلية. في سياق يتسم بالتغيير الاجتماعي، أصبحت السريالية وسيلة لرفع الصوت الإبداعي للمجتمع، مما ساعد العديد على التعبير عن آمالهم وطموحاتهم من خلال الفن.

تؤكد السريالية في المغرب اليوم على ضرورة فهم الهوية الثقافية في عصر العولمة، حيث يُعتبر الفن وسيلة لاستخراج المعاني من الحياة اليومية وتحدياتها. إن الإرث السريالي الذي يسود المغرب يستمر في تطوره، مُحاكياً المضامين المعاصرة ومذيبًا الحدود بين الروايات المختلفة للوجود.

تظل السريالية من الفنون المتجددة التي تفتح آفاقًا جديدة للفهم والتعبير. في المغرب، لا تبرز فقط كحركة فنية، بل كفلسفة تعكس الرحلة البشرية بين الواقع والخيال. إن استقبال الحركة السريالية في المغرب يؤكد على قوة الفن كوسيلة للربط بين الثقافات والتعبير عن القضايا المعاصرة. يتعين على الأجيال الجديدة من الفنانين والمفكرين اكتشاف هذه الثروة الفنية واستثمارها لتعزيز الفهم والتقارب الثقافي في عالم يتغير بسرعة