جريدة

السويداء والدروز: تاريخ من المقاومة والهوية والحيرة بين الولاء والاستقلال

ميديا أونكيت 24

في قلب سوريا، تقع محافظة السويداء، المعروفة تاريخيًا بـ”جبل الدروز”، والتي تشكل موطنًا لأغلبية درزية تمثل نحو 90% من سكانها. وعلى مر القرون، حافظ الدروز على هويتهم المميزة وتاريخهم الحافل بالمقاومة والتحالفات المعقدة، من العهد العثماني إلى الحقبة الحديثة. اليوم، ومع سقوط نظام الأسد وبروز حكومة جديدة، يواجه الدروز في السويداء سؤالًا قديمًا متجددًا: كيف يمكنهم الحفاظ على استقلاليتهم وهويتهم في إطار دولة سوريا الموحدة؟

من العثمانيين إلى الانتداب الفرنسي
عاش الدروز في جبل العرب (السويداء حاليًا) بحكم ذاتي ضمني خلال العهد العثماني، حيث حموا دمشق من غزوات البدو مقابل حريتهم في رفض التجنيد الإجباري. ومع سقوط الدولة العثمانية، انحاز الدروز بقيادة سلطان الأطرش إلى الثورة العربية الكبرى (1916-1918)، وساهموا في طرد العثمانيين من دمشق.

لكن أحلام الدولة العربية تبددت بفرض الانتداب الفرنسي، الذي منح الدروز دولة مستقلة باسم “دولة جبل الدروز” (1921-1936). رغم ذلك، قاد الدروز ثورة 1925 ضد الفرنسيين، وانتهت بهزيمتهم قبل أن تُدمج السويداء في سوريا الموحدة عام 1936.

من الاستقلال إلى عهد الأسد
بعد استقلال سوريا عام 1946، واجه الدروز حملات قمعية، أبرزها حملة أديب الشيشكلي الدموية عام 1954، التي انتهت بثورة درزية ساهمت في الإطاحة به. وفي الستينيات، وصل ضابط درزي هو سليم الحاطوم إلى السلطة بانقلاب، لكنه أُبعد لاحقًا بيد حافظ الأسد، الذي حوّل سوريا إلى دولة يهيمن عليها العلويون.

خلال حكم الأسد، تقلصت مساحة السويداء، وعُزِزت سياسة “الخضوع مقابل الحماية”. ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، ظهرت حركات درزية رافضة للتجنيد، مثل “رجال الكرامة”، التي رفعت شعار “دم السوري على السوري حرام”، وواجهت الميليشيات الموالية لإيران.

 انقسامات وصراع على الهوية
مع سقوط النظام أواخر العام الماضي ، برزت في السويداء ثلاثة تيارات رئيسيةالمؤيدون للفيدرالية: مثل “المجلس العسكري في السويداء”، الذي يدعو لاستقلال إداري واسع بدعم من “قسدو المتقبلون لدمشق بشروط كـ”رجال الكرامة”، الذين يطالبون بضمانات لحكم ذاتي محدودبالإظافة إلى المؤيدون للوحدة الوطنية بقيادة مرجعيات دينية مثل الشيخ حمود الحناوي، الذي يرفض أي انفصال.

كما اختلفت مواقف الزعماء الدينيين، مثل الشيخ حكمت الهجري الذي دعا إلى دستور مدني، بينما حذر الشيخ يوسف جربوع من التدخلات الخارجية.

إسرائيل والدروز
في سياق متصل، حاولت إسرائيل استغلال التوترات عبر إرسال مساعدات إنسانية للدروز في سوريا، وإعلان استعدادها “لحماية جرمانا” ذات الأغلبية الدرزية. لكن التجربة الإسرائيلية مع الدروز في الجولان المحتل (حيث رفضوا الجنسية الإسرائيلية) وتاريخ العداء للسياستها الإقليمية يجعل فرص تحالف طائفي معها ضعيفة.

 عقد اجتماعي جديد
اليوم، يواجه الدروز والسوريون عامة اختبارًا مصيريًا: بناء هوية وطنية جامعة تحفظ حقوق الأقليات وتقطع الطريق على التدخلات الخارجية. فهل تستطيع سوريا الجديدة تحقيق هذا التوازن، أم ستعيد إنتاج صراعات الماضي تحت مسميات جديدة؟

السويداء، بتراثها المقاوم وانقساماتها الحالية، تظل مرآة لتحديات سوريا كلها البحث عن السلام دون تفكك، والعدالة دون انتقام، والهوية دون طائفية.