جريدة

الصحراء المغربية: مسار دبلوماسي تاريخي لتعزيز الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية

ميديا أونكيت 24

الصحراء المغربية: مسار دبلوماسي تاريخي لتعزيز الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية
في تطور تاريخي يمثل ذروة مسار دبلوماسي استمر لعقود، يشهد ملف الصحراء المغربية تحولاً نوعياً غير مسبوق، حيث أصبح مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 المرجع الوحيد لحل هذا النزاع الإقليمي الذي استمر لما يقارب نصف قرن.

تشكل الرؤية الاستراتيجية للملك محمد السادس حجر الزاوية في هذا التحول الدبلوماسي التاريخي، حيث قادت الدبلوماسية الملكية المستنيرة مساراً طويلاً توج بدعم دولي واسع لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وقد جاء القرار التاريخي رقم 2797 لمجلس الأمن الدولي في 31 أكتوبر 2024 ليمثل لحظة فارقة في هذا المسار، حيث أكد بشكل واضح على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كأساس لحل النزاع، موجهاً مفاوضات الأمم المتحدة لتبنى حصرياً على هذا المقترح .

وبحسب ما أكده ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، خلال مناقشة الميزانية الفرعية للوزارة بمجلس النواب، فإن الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي يتنامى بشكل ملحوظ، لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو دعم فعلي يعزز المسلسل السياسي نحو حل نهائي قائم على السيادة المغربية .

تمكنت الدبلوماسية المغربية من تحويل التحدي إلى فرصة استراتيجية، حيث أسفرت الجهود الدبلوماسية المكثفة عن اعترافات دولية متزايدة بمغربية الصحراء، ودعم واسع النطاق لمقترح الحكم الذاتي. وقد حظي هذا المقترح بتأييد حوالي 120 دولة في الأمم المتحدة، مما يعكس الزخم الدولي الكبير الذي اكتسبه الموقف المغربي .

ويوضح الخبراء في العلاقات الدولية أن نجاح الدبلوماسية الملكية في إقناع هذا العدد الكبير من الدول بمشروعية وحجية خطة الحكم الذاتي لم يأت بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة رؤية استراتيجية هادئة وقوة ناعمة للدبلوماسية المغربية إقليمياً ودولياً .

يشكل القرار 2797 لمجلس الأمن الدولي محطة مفصلية في تعاطي المجتمع الدولي مع قضية الصحراء المغربية، حيث صوتت 11 دولة لصالح القرار الذي قدمته الولايات الأمريكية المتحدة، بينما امتنعت ثلاث دول عن التصويت (روسيا والصين وباكستان)، في حين لم تشارك الجزائر في التصويت .

والدول التي صوتت لصالح القرار هي: الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والدنمارك، واليونان، وبنما، والصومال، وسلوفينيا، وسيراليون، وكوريا الجنوبية وغيانا .

ويؤكد باحتون، أن هذا القرار “جعل مبادرة الحكم الذاتي السكة التي يتعين أن يسير عليها قطار المفاوضات، وأن السيادة المغربية على الصحراء هي محطة الانطلاق، وأن التوصل إلى اتفاق نهائي هو محطة الوصول” .

ينص مشروع الحكم الذاتي الذي استند إليه قرار مجلس الأمن الدولي على نقل جزء من صلاحيات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى “جهة الحكم الذاتي للصحراء”، ليدبر سكانها “شؤونهم بأنفسهم” “بشكل ديموقراطي”، بينما تحتفظ الرباط بصلاحياتها المركزية “في ميادين السيادة، لا سيما الدافاع والعلاقات الخارجية” .

يمارس جهة الحكم الذاتي اختصاصاتها التنفيذية من خلال “رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي، وينصبه الملك”. بينما يتكون البرلمان الجهوي من أعضاء “منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية”، وآخرين “منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة” .

تمثل المشاريع التنموية الكبرى في الأقاليم الجنوبية ركيزة أساسية في تعزيز السيادة المغربية، حيث تشهد هذه الأقاليم تحولات تنموية نوعية بفضل الأوراش الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الكبرى. ويؤكد عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، أن المغرب انتقل من مرحلة الدفاع عن الشرعية إلى مرحلة تثبيت السيادة عبر العمل التنموي الملموس، لتصير الأقاليم الجنوبية “نموذجاً في العدالة المجالية، والإنصاف الترابي، وتكافؤ الفرص”

يأتي في مقدمة هذه المشاريع الطريق السيار تيزنيت-الداخلة الذي وصفه أخنوش بأنه “شريان اقتصادي وإستراتيجي” يربط الجنوب بالمركز، ومشروع ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيشكل “واجهة بحرية كبرى نحو العمق الإفريقي”، بالإضافة إلى البرنامج المتكامل لتحلية مياه البحر وتدبير الموارد المائية .

تمثل المرحلة المقبلة منعطفاً حاسماً في مسار طي هذا النزاع الإقليمي المفتعل، حيث تتطلب تعبئة شاملة ويقظة مستمرة، مع أهمية تكامل الجهود بين مختلف المؤسسات لتعزيز التنمية في الأقاليم الجنوبية. كما أن مشاركة السكان المحليين تمثل أسمى صور الانتماء الوطني وتوفر الشرعية الواقعية للمكاسب الدبلوماسية .

في خطابه التاريخي بمناسبة اعتماد مجلس الأمن الدولي للقرار الداعم لخطة الحكم الذاتي، أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن المغرب يعيش اليوم “مرحلة فاصلة ومنعطفاً حاسماً في تاريخ المغرب الحديث، فهناك ما قبل 31 أكتوبر 2025 وهناك ما بعده”، مشدداً على أن “حان وقت المغرب الموحد من طنجة إلى الكويرة الذي لن يتطاول أحد على حقوقه وعلى حدوده التاريخية” .

بهذه الرؤية الثاقبة والإرادة الصلبة، يظل المغرب متوجهاً نحو طي نهائي لهذا النزاع المفتعل، مجسداً مقاربة “لا غالب ولا مغلوب” التي تحدث عنها الملك محمد السادس، والتي تفتح آفاقاً جديدة للتعاون الإقليمي وبناء مستقبل أفضل لشعوب المنطقة .