لم تكن الأسلحة وحدها في حرب الـ12 يوماً بين إسرائيل وإيران، هي التي حددت مسار الصراع، بل أيضاً الاستراتيجيات غير المرئية: الخداع، التحالفات، التغلغل الاستخباري، وأزمات الشرعية. هذه الحرب، رغم قصر مدتها، كشفت دروساً مباشرة وغير مباشرة تصلح أن تكون مرجعاً للصراعات في عالمنا المضطرب.
1. الحرب خدعة.. واستباقية الضربة
تكرس مقولة “الحرب خدعة” نفسها كقاعدة استراتيجية عبر التاريخ. فكما خدعت إسرائيل العرب في 1967، وتعلم العرب منها في 1973، ها هي إسرائيل تقع في الفخ ذاته بعد 50 عاماً مع “طوفان الأقصى”. لكن هذه المرة، كان الخداع أمريكياً-إسرائيلياً مشتركاًتمتلت في تصريحات ترامب المزعومة عن “ضبط النفس” قبل يومين من الضربة الاستباقية التي حسمت زمام المبادرة لصالح تل أبيب. هنا، تبرز أهمية قراءة اللعبة السياسية بعمق، وعدم الثقة في الخطابات الدبلوماسية المعلنة.
2. الفارق بين العزلة والدعم المطلق
في حين وقفت واشنطن وأوروبا خلف إسرائيل بكل ثقلهم العسكري والسياسي، وجدت طهران نفسها وحيدة. حتى حلفاؤها التقليديون (روسيا والصين) اكتفوا بـ”فيتو” رمزي ضد استهداف المرشد الأعلى، لكنهم لم يقدموا الدعم العسكري الفعلي. هذه العزلة تذكرنا بمصير العديد من الدول العربية في صراعاتها مع إسرائيل، حيث تتحول المواجهة إلى معادلة غير متكافئة بسبب اختلال موازين التحالفات.
3. الحرب الخفية التي سبقت المعركة
كشفت إيران عن اعتقال 700 جاسوس خلال 12 يوماً، وهو رقم يُظهر مدى اختراق “الموساد” لأجهزتها الأمنية. الأكثر إثارة للقلق هو استهداف العلماء والقادة في غرف نومهم، ما يؤشر إلى وجود “خلايا نائمة” متجذرة في مفاصل الدولة. هذا الاختراق ليس وليد الصدفة، بل نتاج تراكمي لضعف المناعة المجتمعية بسبب الأزمات الاقتصادية والانقسامات السياسية، مما يجعل الشباب اليائسين فريسة سهلة للتجنيد.
4. الثغرات التي يُنفذ منها العدو
النظام الإيراني، رغم شعارات “المقاومة”، لم يسلم من تناقضاته الداخلية. فالشباب المحبط، والأقليات المهمشة، والفساد المستشري، كلها عوامل أضعفت قدرته على مواجهة الاختراق الخارجي. الصورة تتكرر في العديد من الدول العربية والإسلامية، حيث يصبح الاستبداد والطائفية بوابة العدو لتفكيك الدولة من الداخل.
5. نهاية أسطورة الهيمنة الإسرائيلية؟
رغم “النصر التكتيكي” لإسرائيل، إلا أن الحرب كشفت أنها لم تعد قادرة على خوض المعارك بمفردها. فاعتمادها المطلق على الدعم الغربي، ونزيف شرعيتها بعد “طوفان الأقصى”، يؤشران إلى أن نموذجها الأمني بلغ ذروته. السؤال الآن: هل يمكن لدول المنطقة استثمار هذه اللحظة التاريخية لبناء تحالفات دفاعية وتكنولوجية تحقق التوازن المنشود؟
6المعركة القادمة هي معركة التحرر من التبعية
الحرب بين إسرائيل وإيران لم تنتهِ، بل انتقلت إلى مرحلة جديدة. الدرس الأكبر هو أن الانتصار لا يأتي بالشعارات، بل بالتحرر من التبعية العسكرية والسياسية، وبناء مجتمعات منيعة تقاوم الاختراق. فكما قال هيراقليتوس: “الحرب أم الأشياء كلها”، لكنها أيضاً كاشفةٌ للحقائق التي نرفض رؤيتها في زمن السلم.