بعد أكثر من ثلاثة عقود من التخطيط والانتظار، يبدو أن الحلم القديم بتوصيل إفريقيا بأوروبا عبر نفق بحري تحت مضيق جبل طارق على وشك أن يخطو خطوات حاسمة. ففي صيف 2025، حصل هذا المشروع الضخم على الضوء الأخضر لبدء الدراسات التقنية النهائية، مدعوماً بتمويل أوروبي عبر آلية الإنعاش والمرونة، في إطار دينامية التعاون المتجددة بين المغرب وإسبانيا.
يشرف على هذا المشروع الطموح الشركة الإسبانية العمومية Secegsa، ويتوقع أن يمتد النفق لمسافة 28 كيلومتراً تحت مياه المضيق، ليصل طوله الإجمالي إلى حوالي 60 كيلومتراً، مما يضعه في مصاف أطول الأنفاق البحرية في العالم، منافساً “نفق المانش” الرابط بين فرنسا وبريطانيا. وقد تم اختيار المسار بعناية فائقة ليمر عبر عتبة كامارينال، حيث لا يتجاعم عمق المياه 300 متر، متجنباً بذلك المناطق الأكثر وعورة وعمقاً.
لكن هذا المشروع لا يُنظر إليه فقط كإنجاز هندسي مذهل، بل كجسر استراتيجي حيوي سيعيد تشكيل الخريطة الاقتصادية واللوجستية للمنطقة. فمن خلال ربط شبكات السكك الحديدية بين القارتين، سيساهم النفق في تسريع حركة تنقل الأشخاص والبضائع، وخفض تكاليف التجارة، وتعزيز موقع المغرب كمركز لوجستي عالمي وبوابة اقتصادية تربط إفريقيا وأوروبا وباقي العالم.
رغم هذا الزخم، لا تزال التحديات التقنية والمالية والسيادية كبيرة جداً. تُقدّر التكلفة الإجمالية للمشروع بما يتراوح بين 15 و30 مليار يورو، وهي تكلفة هائلة تتطلب تمويلاً دولياً وتعاوناً مالياً غير مسبوق. بالإضافة إلى ذلك، يجب التغلب على التحديات الطبيعية الكبيرة، مثل النشاط الزلزالي للمنطقة والتيارات البحرية القوية في المضيق.
الأمر لا يقتصر على الجوانب التقنية فحسب، بل يتطلب أيضاً توافقاً قانونياً ومؤسساتياً دقيقاً بين المغرب وإسبانيا حول المعايير الفنية والتشريعات المتعلقة بالبنية التحتية والنقل والأمن.
من المقرر أن تنطلق الدراسات الجيوتقنية والزلزالية التفصيلية في سبتمبر 2025، على أن تمتد أعمال البناء الفعلية لما يقرب من 15 عاماً. وتشير التقديرات الأولية إلى أن هذا المشروع الاستراتيجي العملاق قد يُسلم بحلول عام 2040.
باختصار، يمثل نفق مضيق جبل طارق أكثر من مجرد بنية تحتية؛ إنه تجسيد لإرادة سياسية ورؤية اقتصادية طموحة لربط ضفتي المتوسط، وفتح آفاق جديدة للتبادل والتفاعل بين القارتين، مما يجعله أحد أكثر المشاريع إثارة للاهتمام في القرن الحادي والعشرين.