جريدة

بشرى باحمان تكتب: زواج القاصرات بالمغرب تدعمه ثغرة قانونية تُنتهك معها حق الطفولة

 

لاشك أن الزواج هو ضرورة إنسانية ،  دعت إليه مطالب الحياة فهو أساس أصل المصاهرة،  وعليه تتوقف الأسرة ، ولأنه رابطة  شرعية تبرم بعقد بين الرجل والمرأة  بشروطه  وأركانه، فهدفه  حماية الشرع وتحقيق مقاصد معتبرة  والغايات النبيلة والمصالح  الدينية  والدنيوية،  فهي  تنظم فطرة الفرد وتصون قيم  المجتمع  النبيلة.

    وهذه الرابطة الشرعية  التي تمثل القيم الإنسانية النبيلة  تبنها دستور المملكة  من خلال الفصل 32  الذي يعتبر ” أن الأسرة  القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع “،  إلا أنها  في كثير من الأحيان  ينعدم فيها التوازن  بين طرفي العلاقة الزوجية خصوصا إذا كان احد الزوجين قاصر،   وفي الغالب  الفتيات هن من يدفعن  نحو الزواج في سن مبكر قبل  وصولهن لسن القانوني .

 والزواج المبكر  هو كابوس للفتيات القاصرات ومعضلة المجتمع المغربي ،  هذه الظاهرة التي  أصبحت  تدق ناقوس الخطر حيث ارتفع  عدد زواج القاصرات في المغرب من 12 ألف حالة في سنة 2020 إلي 19 ألف حالة في سنة 2021 هذا الرقم المهول أصبح  يثير  نقاشا حقوقيا،  وسط مطالب حقوقية  بإيجاد حلول لإيقاف هذه الظاهرة المتصاعدة .

رغم أن الوقع القانوني منع زواج القاصرات  وفق ما جاءت به  المادة 19 من مدونة الأسرة المغربية المتبناة منذ 2004 التي  نصت على أنه ” تكتمل أهلية الزواج في إتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية  ثمان عشر سنة شمسية ” .

لكن نجد في المادتين  20 و 21 من نفس المدونة  أنها فتحت باب الاستثناء  وفق الضوابط والشروط  حتى يتم منع استعمال الشطط في حق الطفولة،  ونجد المادة 20 تستند على منح الإذن بالزواج من قبل القاضي  وفق شروط حددها القانون حيث جاء فيها  ” لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة،  دون سن  الأهلية،   المنصوص عليه في المادة 19  أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك،  بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي  والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي. مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج  القاصر غير قابل لأي طعن “.

 أما في المادة 21 فتشترط موافقة النائب الشرعي  حيت جاء فيها ” زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي . تتم موافقة النائب الشرعي  بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وحضوره إبرام العقد. إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن موافقة بت قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع”.

 وبالرغم من تضييق المادتين بجعل  تزويج القاصرات استثنائيا  ومحصورا بسلطة التقديرية للقاضي  وموافقة النائب الشرعي، تحول هذا الاستثناء  إلى قاعدة تبيح تزويج القاصرات،   بحيث  أثبتت الإحصائيات أن أكثر من 80 في مائة من طلبات تزويج القاصرات ثم  قبولها من طرف القضاة التي عرضت عليهم هذه القضايا،   مما يسبب معضلة اجتماعية،   خصوصا أن دوافع تزويج القاصرات يكون تحت رحمة الوضع الاقتصادي والاجتماعي  الصعب   تدفع بالأسر إلى تزويج بناتها،  أو قد يكون  بطلب من البنت القاصر نفسها  لأنها تجد في  الزواج المتنفس للهروب من الفقر والعوز  خاصة في البوادي والقرى .

 كما لا يخفى على أحد أن لهذه الظاهرة أثار  سلبية علي الفتيات الصغيرات،   مهددة  بذلك  سلامتها النفسية والجسمانية،  حيث أثبت الدارسات أن  تزويج الفتاة  في سن مبكر  يعني أن تصبح  الزوجة ثم الأم،   له أضرار وخيمة  على حياتها،  ويرجع السبب أن تكوينها الفسيولوجي لم يكتمل بعد وخصوصا  عضو الرحم الذي لازال  في طور النمو،  مما يجعل  مسألة  الحمل في سن صغيرة  خطرا   يهدد حياتها وحياة  جنينها،  إضافة  إلى عبء رعاية  الأسرة  وتربية الأطفال،   وبالتالي يصعب عليها   إدراك واجباتها ومسؤوليتها   اتجاه  الأسرة،  مما يؤثر  سلبا على سلامتها  النفسية،  وفي غالب الأحيان يكون مصير هذه العلاقة الزوجية  الفشل، وتكون فيه الضحية  هي الزوجة القاصر والأطفال إذا وجدوا،  لهذا نجد أن أعلى مستويات الطلاق تكون  بين فئة القصر على عكس الزواج بين شخصيين  يملكان الأهلية الكاملة  يستطيعان تكوين أسرة وتحمل عبئها .

ولأن  ظاهرة زواج القاصرات   معضلة حقيقة تضر الفئة الهشة بالمجتمع  المغربي، يرى المراقبون  أن البحث عن  حلول استعجاليه للحد من هذه الظاهرة يقتضي بداية  النظر إليها بمقاربة شمولية تلزم استحضار الأبعاد الثقافية والسيكولوجية لإيجاد حلول واقعية ملموسة مع وضع لبنة أساسية للاستجابة للظاهرة وفك تشابكها. 

وتجدر الإشارة  أن  وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي دعا  إلى تعديلات على مستوى مدونة الأسرة، خصوصا المتعلقة بالمادة 20 زواج القصر” بالإذن “،  كما نوه الوزير خلال مداخلته أمام مجلس النواب إلى ارتفاع حالات تزويج القاصرات في سنوات الأخيرة ،  هذه التصريحات التي تؤكد موقفه المعارض لأي استثناء يخدم التحايل على القانون ضد مصلحة القاصرات،  لقي هذا التصريح استحسان عدة جمعيات  المجتمع المدني التي   تنتظر إلغاء الإذن بتزويج القصر داخل المغرب .

 إن ظاهرة زواج القاصرات تتنافى مع القوانين الدولية خصوصا المتعلقة بحقوق الطفل،  وللأسف  لازالت هذه الظاهرة تسيء للمجتمع المغربي،  هذا البلد  الذي يسعى  جاهدا لركوب قطار الحداثة  الذي يوافق  تطلعاته  المعاصرة،  و يخدم مصلحة الأفراد  للدفع به نحو مستوى الرقي الاجتماعي والمدني.