تصفية صندوق المقاصة أدى الى ارتفاع أسعار المواد الأساسية
غداة الاستقلال، تأسس صندوق المقاصة ، بغاية تقديم الدعم لذوي الدخل المحدود ، لضمان اقتناء المواد الأساسية من السكر والدقيق والزيت والغاز والمحروقات ، إلى أن جاءت حكومة بنكيران، فقررت الشروع في تصفية صندوق المقاصة ، تحت شعارات توهم في ظاهرها بخدمة مصالح الفقراء، ولكن في عمقها تفتح الطريق أمام اغتناء اللوبيات المتحكمة في الاسواق في ظل البنيات المغلقة للسوق المغربية.
فقد وعد بنكيران ابان حذف الدعم وتحرير أسعار المحروقات ، بأنها ستكون الفرصة لتوجيه الدعم لمستحقيه مع تنزيل الأسعار وتوجيه ميزانية الدعم الى تطوير الخدمات العمومية في الصحة والتعليم وتوفير الشغل، الا أن الواقع المعاش اليوم، ومن بعد 8 سنوات على التحرير، يكذب كل هذه الشعارات،
فالمستفيد الوحيد من ذلك، هم شركات توزيع المحروقات التي ضاعفت ارباحها بأكثر من 3 مرات، في حين أنه تم تخريب التعليم العمومي والصحة العمومية ووصل التضخم والبطالة سقوفا لم يعرفها المغرب في تاريخه…اوليس كل ما وقع في جريمة المحروقات، كافيا حتى يستحي بنكيران وحزبه من نفسه ويقدم اعتذارا للمغاربة…
وها هو أخنوش اليوم، يمر للسرعة القصوى وبنفس مبررات بنكيران وغيرها، من أجل القضاء على دعم الغاز في أفق تحرير سعره والوعد هذه المرة، بتقديم الدعم المباشر للمستحقين يبتدا من 500 درهم في الشهر.
وبقراءة بسيطة في استهلاك واستعمالات واسعار غاز البوطان، يتبين بأن الزيادة في استهلاك الغاز ستصل في المتوسط الى حوالي 250 درهم في الشهر لعائلة من 5 أفراد، وحينما نضيف لذلك الارتفاع المرتقب للأرباح الفاحشة للفاعلين في توزيع الغاز ،
حيث أن نسبة التركيز في سوق الغاز تفوق بكثير سوق المحروقات (فاعل واحد يحتكر الاستيراد عبر ميناء طنجة وميناء الجديدة)، وحينما نضيف كذلك تداعيات ارتفاع أسعار الغاز على كلفة الإنتاج في الفلاحة وتربية الدواجن وغيرها، فإن مجموع الزيادات المباشرة وغير المباشرة في استهلاك البوطاغاز، لن تقل عن 1000 درهم شهريا للعائلة من 5 أفراد.
ومن هنا يظهر من الوهلة الأولى ، بأن الغرض من حذف الدعم وتحرير سعر الغاز، لن يستفيد منه في الاخير سوى الفاعلون في القطاع وأساسا الماركة التي تسيطر على أكثر من 50٪ من السوق، وأما عموم الشعب المغربي فسيكون ضحية وللمرة الثانية بمناسبة تحرير الغاز.
إن تحرير أسعار الغاز بدعوى توجيه الدعم لمستحقيه، لا يصمد أمام الاحصائيات التي تشير بأن 60٪ من الاستهلاك يوجه للاغراض المنزلية و40٪ للاغراض غير المنزلية وخصوصا الفلاحة، وحينما سنضيف تداعيات الجفاف على صعوبة استخراج مياه السقي واللجوء أكثر لاستهلاك الغاز (في انتظار البدائل التي طال انتظارها) ، سيزيد الطين بلة، في اشتعال أسعار المنتوجات الفلاحية التي يتغذى بها عموم الشعب المغربي ،
وأساسا البصل والبطاطس والطماطم، وحينءذ لن ينفع الدعم لمن توصل به وسيزيد الضغط على من لم يتوصل به، ولنا المثال في الدعم بمناسبة الكورونا والحصول على بطاقة الراميد، حيث كانت تستفيد منه ثلة من غير المحتاجين على حساب المحتاجين المنسيين في القرى والجبال والمداشير.
إن الدفع في اتجاه رفع كلفة الطاقة عبر رفع الدعم وتحرير الأسعار ، تتراكم تداعياته على كلفة الإنتاج بالمقاولة وعلى القدرة الشرائية للمواطنين وخصوصا الفقراء والطبقة المتوسطة، وأما الاغنياء فهم سيعكسون كل هذه الزيادات في ثمن الطاقة وسيستمرون في مراكمة الثروات،
فتارة باسم المغربة وتارة باسم الخوصصة وتارة باسم اتفاقيات التبادل الحر وتارة باسم تحرير الأسعار ، ولكن بالنسبة لعامة الشعب، فقد خسر كل شيء في الدعم للمواد الأساسية وفي توفير الصحة والتعليم والشغل، الى درجة نتساءل عن ما ذا بقي للدولة من أدوار؟
إن المطلوب اليوم، هو الكف من توسيع جمهور الفقراء والحد من دفع الطبقة المتوسطة للانزلاق تحت خط الفقر، مقابل التحلي بالشجاعة اللازمة لتحصيل ما يفوق من 140 مليار درهم من التهرب الضريبي لدى الاغنياء والعاملون خارج القانون،
وهو مبلغ جد كافي لتمويل مشروع التغطية الاجتماعية وغيره دون اثقال الطبقة المتوسطة بالمزيد من التحملات، ولكن لنا اليقين بان هذه الشجاعة غير متوفرة ولن تتوفر لدى أحزاب الاعيان التي تكون الحكومة من بعد ما تم تدمير أحزاب الجماهير.
ولذلك فحكومة أحزاب الاعيان او حكومة المال السياسي تشرع اليوم وفق ما يخدم مصالحها وينمي ثرواتها ولا تأبه لنداءات ومطالب المجتمع…وها هو تعليم المغاربة في حكم المجهول بعد ما تبين بأن الحكومة تعبث بالحوار مع النقابات التعليمية وتشجع على الهجرة للتعليم الخصوصي.