تبرز الزوايا الصوفية كفضاءات للذكر والتربية الروحية والتجرّد. لكن ما إن تسلط الأضواء على خباياها، حتى تظهر تناقضات صارخة تهدد صورتها المثالية في أعين المريدين والرأي العام.
هذا ما كشفت عنه التطورات الأخيرة داخل الزاوية القادرية البودشيشية، التي تشهد غليانًا داخليًا تحوّل إلى نزاع عائلي علني حول الإرث والريع والسلطة، بعد وفاة شيخها جمال الدين القادري بودشيش. وهي مفارقة لافتة لمؤسسة تبنى مشروعها على التخلي عن الدنيا ومغرياتها.
فالزاوية التي كانت تُعتبر ملاذًا للذكر والتقرب من الله، تحوّلت إلى ساحة صراع على الامتيازات، مما أثار تساؤلات حول الجانب المسكوت عنه في كثير من الزوايا والصروح الروحية: أليست سوى واجهة تخفي خلفها صراعات على النفوذ والمصالح، كما هي حال الأحزاب والنقابات والجمعيات التي تحوّلت إلى أدوات لتدوير المنافع؟
ما حدث داخل البيت البودشيشي لم يعد شأنًا عائليًا خاصًا، بل تجاوزه إلى فضح أحد أبرز تناقضات المشهد الصوفي: الفجوة بين الخطاب الروحي المعلن والممارسات الدنيوية الخفية. حين تُنزع عباءة التصوف، تظهر حسابات المال والسلطة، وحينها تتشقق الصورة من الداخل، مما يؤدي إلى فقدان الجاذبية الروحية وتفرق المريدين الحائرين بين مثاليات الخطاب وواقع الممارسة.
وإذا كانت الزاوية البودشيشية ليست حالة فريدة، فإن ما يجري فيها يضع كل الزوايا والطرق الصوفية أمام مرآة حادة: فالثقة لا تُمنح، بل تُكسب باستمرار، والشرعية الروحية هشة وقابلة للاهتزاز بمجرد انكشاف التناقض بين القول والفعل.