جريدة

جنوب أفريقيا : مخاض عسير ينتظر ولادة الحكومة الجديدة

وجد حزب (المؤتمر الوطني الإفريقي)، الذي تعرض لانتكاسة انتخابية تاريخية بخسارة أغلبيته المطلقة في برلمان جنوب إفريقيا لأول مرة منذ 30 عاما، نفسه أمام إمتحان الدخول في مفاوضات سياسية حاسمة لتشكيل حكومة ائتلافية.

 

وقد حصل حزب نيلسون مانديلا على 40 في المائة فقط من أصوات 28 مليون ناخب توجهوا إلى صناديق الاقتراع خلال الانتخابات التشريعية ليوم 29 ماي الماضي، والتي شهدت منافسة حادة كان لها أثرها على هذا الحزب الذي حقق فيها نتائج مخيبة تفرض عليه التحالف مع أحزاب سياسية أخرى.

وهكذا، لن يكون لحزب (المؤتمر الوطني الإفريقي) من خيار سوى تشكيل ائتلاف مع الحزب اليميني (التحالف الديمقراطي) المؤيد لعالم الأعمال، أو مع الحزبين اليساريين (أومكونتو وي سيزوي)، و(المحاربون من أجل الحرية الاقتصادية).

وبناء على حصوله على 159 مقعدا من إجمالي 400 مقعد بالجمعية الوطنية، شرع الحزب في مناقشات داخلية هذا الأسبوع لدراسة السيناريوهات التي ستحدد مستقبل البلاد على مدى السنوات الخمس المقبلة.

ووفقا للأمين العام، فيكيلي مبالولا، فإن “حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ملتزم بتشكيل حكومة مستقرة وقادرة على تسيير شؤون البلاد بفعالية”. إلا أن الواقع على الأرض لا يبدو ملائما لتحقيق هذا الهدف.

فمن الناحية الإيديولوجية، يبدو أن حزب (المؤتمر الوطني الإفريقي) أقرب إلى تشكيلي (أومكونتو وي سيزوي)، و(المحاربون من أجل الحرية الاقتصادية) الحاصلين على المركزين الثالث والرابع في انتخابات 29 ماي. لكن التحالف معهما فيه مخاطرة بتفاقم عدم الاستقرار الاقتصادي بسبب ميلهما للرفع من الإنفاق العمومي وتأميم المناجم والبنك المركزي.

وصرح الخبير الاقتصادي في مجموعة (إيفيشن)، داوي رودت، بأن أي تحالف مؤيد للسوق يمثل أمرا بالغ الأهمية للاستقرار الاقتصادي والمالي للبلاد. وقال “يفضل المستثمرون تشكيل ائتلاف يميني مع حزب التحالف الديمقراطي، لكن لا يزال ممكنا أن تكون النتيجة النهائية ائتلافًا يساريًا مع حزب المحاربون من أجل الحرية الاقتصادية، أو حزب أومكونتو وي سيزوي، وهو ما سيكون بمثابة خبر سيئ للغاية للأسواق المالية”.

والنبرة نفسها جاءت على لسان المديرة العامة للمجموعة الاستشارية بشأن المخاطر (تينيو)، آني فروهاوف، التي أكدت أن عدم اليقين في عالم الأعمال سائد على نطاق واسع، في حين أن جميع مخارج التحالف ممكنة، ما دامت الحركية الداخلية لحزب (المؤتمر الوطني الإفريقي) عاملا حاسما في اختيار التحالفات السياسية التي سترسم مستقبل البلاد.

ويؤيد رموز هذا الحزب ، وعلى رأسهم الرئيسان السابقان ثابو مبيكي وكجاليما موتلانثي، تشكيل ائتلاف مع (التحالف الديمقراطي) لكسب ثقة الأسواق والمستثمرين الدوليين، وتجنب السياسات المتطرفة لحزبي (المحاربون من أجل الحرية الاقتصادية)، و(أومكونتو وي سيزوي).

لكن حتى المفاوضات مع (التحالف الديمقراطي) لا تبدو سهلة، ذلك أن رئيسه جون ستينهاوزن الذي لم يستبعد التقارب مع حزب (المؤتمر الوطني الإفريقي)، صرح بأنه “في حال تم التوصل إلى تحالف، فإن بعض النقاط ستظل غير قابلة للتفاوض”.

وأوضح “أن الأمر يتعلق باحترام سيادة دولة القانون والدستور، وإرساء اقتصاد اجتماعي للسوق الذي يعامل القطاع الخاص كشريك في برنامج النمو، وعدم التسامح مطلقا مع الفساد، والتركيز على السياسات الاقتصادية المولدة لفرص الشغل’’.

وبهذا، تكون جنوب إفريقيا في منعطف حاسم في تاريخها، حيث يمثل تشكيل ائتلاف حكومي متجانس مؤيد للمستثمرين وعالم الأعمال تحديا كبيرا، وأي فشل في ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي ابتليت بها البلاد لسنوات عديدة.