جريدة

حسام هرهوري: دور المشاريع التنموية في تعزيز الأقاليم الجنوبية كمدار إفريقي

حددت ديباجة دستور 2011 الإطار العام للدبلوماسية المغربية ودوائر تحركاتها الخارجية، وفي ارتباط بالعمق الإفريقي أحد ثوابت الدبلوماسية المغربية، وحددت محور فلسفته؛ بتقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية، لاسيما مع بلدان الساحل وجنوب الصحراء، وتقوية التعاون جنوب-جنوب، ويحتل التوجه الإفريقي مكانة متميزة في توجهات الفاعل الدبلوماسي المغربي، ويعززها الارتباط التاريخي والحضاري بدول جنوب الصحراء، والمساهمة في إطار التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف.

       وفي السياق ذاته، يحظى البعد الإفريقي باهتمام خاص في تقدير صانع القرار الخارجي المغربي، لتعزيز حضوره الإقليمي الاقليمي بإفريقيا جنوب الصحراء، وترتبط توجهاته بروابط تاريخية وتطلعات مستقبلية، وتؤطرها ثوابت ومحددات؛ يشكل البعد الديني والثقافي محورها الأساسي، فتستثمر الدبلوماسية الملكية البعد الروحي والروابط الدينية بين المغرب ودول إفريقيا جنوب الصحراء، كما يؤطرها البعد الاقتصادي والسياسي؛ إذ شكلت هذه الروابط المتينة حافزا لتحقيق التنمية والتقدم المشترك لكل الشعوب الإفريقية، على قاعدة التضامن الإفريقي وبرؤية تستحضر مرحلة الكفاح المشترك من أجل الاستقلال والدعم المغربي لحركات التحرير الإفريقية.

       وتاريخيا، شكلت الأقاليم الجنوبية امتدادا للعلاقات المغربية الإفريقية، وبلورت عبر مسالك هذه الصحراء معالم العمق الإفريقي والشراكة الإستراتيجية، مما أهلها كوسيط بين المغرب وأسواق جنوب الصحراء، حيث تظهر أهمية العلاقات بين المغرب وبلاد السودان كامتداد للعلاقات التجارية في طرق التجارة الصحراوية عبر واد درعة إلى مناطق “غاو”و”تنبوكتو” و”نهرالنيجر”وغيرها(1).

       ولإعادة إحياء حلقة الوصل الأساسية للصحراء بمحيطها الجغرافي، أهل المغرب الأقاليم الجنوبية لترتقي في “النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية” كمدار محوري بين المغرب وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، مما يفتح آفاقا للتنمية الجهوية، وكرؤية جديدة للتعاون المغربي الإفريقي من أجل بلورة شراكة تضامنية بمقاربة جديدة للتنمية المستدامة. تتقاطع هذه التطلعات مع رؤية داخلية لإطلاق دينامية للنمو الاقتصادي الجهوي بالأقاليم الجنوبية؛ للاستفادة من مؤهلاتها بتفعيل النموذج التنموي المحلي للجهات الثلاث، في أفق تنزيل الحكم الذاتي.

       تقدم المغرب بمقترح منح الحكم الذاتي للصحراء من أجل حل سياسي للملف، 11 أبريل 2007، يخول صلاحيات واختصاصات تشريعية وتنفيذية وقضائية لساكنة الصحراء لتدبير شؤونهم، وقد حظي بدعم كما ينوه مجلس الأمن في قراراته “بجدية ومصداقيته” (كما سبقت الإشارة)، كما تقدم بورش الجهوية الموسعة –لباقي الأقاليم- لتعزيز سياسة اللامركزية في بعدها الجهوي. وتم إقرار نموذج تنموي جهوي خاص بالأقاليم الجنوبية، وتلخص فلسفته المحورية، بأنه مشروع مجتمعي متكامل(2)، ورؤية للتنمية الجهوية كآلية المتقدمة بجهات الصحراء، لكسب معركة التنمية المستدامة بالأقاليم الجنوبية للمملكة في أفق حسم القضية بشكل نهائي.

       حُدد الإطار العام لمهمة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وفق فلسفة إطار تنموي جديد جهوي مندمج ومستدام للجهات الثلاث الجنوبية، وحُددت خمسة محاور لترسيخ النموذج التنموي الجديد، وقد حدد المحور الاقتصادي بأن هدفه الأساسي ترقيتها كمدار محوري إفريقي بدينامية تنموية جديدة بإطار اقتصادي محفز للاستثمارات والأنشطة التجارية، لخلق دينامية جديدة للتنمية وإطارا لصلة وصل بين المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء، إذ سيشكل البعد الجيوستراتيجي للجهات الجنوبية وقربها من بلدان جنوب الصحراء عاملا محوريا لتأهيلها كمدار محوري نحو العمق الإفريقي، وكقاعدة ربط بين الجنوب والشمال(3)، ويطمح المغرب على الصعيد الإقليمي لتبوء موقع استراتيجي كمركز اقتصادي ومالي بين القارتين الأوروبية والإفريقية، ومحوره شراكة استراتيجية جنوب-جنوب قائمة على التنمية المستدامة والمشتركة وتعزيز التعاون(4).

       وقد أعطى الملك الانطلاقة الرسمية لتنزيل النموذج التنموي في نونبر 2015 بغلاف مالي قدره 77 مليار درهم(5)، للفترة ما 2021-2016، قبل رفعه الى 85 مليار دولار، وستشمل كل القطاعات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعزيز البنية التحتية للجهات الثلاث، وتوفير وسائل النقل والربط بباقي جهات المملكة، واعتماد مشاريع تنموية لتثمين القطاع الفلاحي والصناعي وتعزيز الفلاحة التضامنية وتطوير السياحة الإيكولوجية والمحافظة على البعد البيئي والنهوض بالثقافة الحسانية. تتوخى هذه المشاريع التنموية جعل الواجهة الأطلسية بجنوب المملكة واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي، من خلال ميناء الداخلة الأطلسي وتطوير اقتصاد بحري بالأقاليم الجنوبية بجعلها جسر وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي، ستمكن هذه المشاريع من الارتقاء بالجهات الجنوبية لجعلها في أفق 2025، قطبا جهويا حيويا وبوابة ولوج للبلدان الإفريقية وستفتح آفاقا واعدة في كل المجالات(6)، وأبرزها:

       أولا: الطريق السيار قافلة للتجارة البرية

       يندرج الطريق السريع تزنيت الداخلة في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة تخليد الذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء، يروم هيكلة الطريق الوطنية رقم 1 على طول 1055 كيلومترا(7).

       يشكل المشروع موضوع اتفاقية شراكة وقعت شهر فبراير 2015 بين ثلاث وزارات هي: وزارة الداخلية، وزارة الاقتصاد والمالية ووزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، فضلا عن أربع جهات، وذلك بمبلغ إجمالي يناهز 8.5 مليار درهم. وقد حددت الاتفاقية مدة الإنجاز بين 2016 و2021، حيث انتهت المرحلة المتعلقة بالدراسات التي دامت بين سنتي 2016 و2018، في حين دامت المرحلة المرتبطة بإطلاق طلبات العروض والمصادقة على الصفقات سنتي 2017 و2018، إضافة إلى مرحلة إطلاق الأشغال سنة 2017، حيث توجد هذه الأشغال في طور الإنجاز(8).

       ويتم إنجاز المشروع على جزئين منفصلين، حيث يتصف كل جزء منهما بخاصيات تقنية وطبيعية وسوسيو-اقتصادية مختلفة، يمكن تقديمها كالتالي(9):

  • الطريق السريع بين تزنيت والعيون المتكون من مقطع تزنيت-كلميم بين النقطة الكيلومترية0 والنقطة الكيلومترية115، مع مدار لمدينة تزنيت ومدينة كلميم، ومقطع كلميم-العيون بين النقطة الكيلومترية 114 و520، وهو مقطع مجاور للطريق الوطنية رقم 1 مع بعض التعديلات في المسار عند مصادفة إكراهات كالتضاريس والمنحدرات الخطيرة والانعراجات الكبيرة وغيرها.
  • توسيع الطريق الوطنية رقم 1 بين مدينتي العيون والداخلة (النقطة الكيلومترية 1040) من خلال توسعة وتحسين جودة الطريق الوطنية رقم 1 الرابطة بين العيون والداخلة مرورا ببوجدور.

       يتضمن المشروع إنجاز 13 منشأة فنية وتثنية ثلاث منشآت فنية وإنجاز مدارات للمدن التي ستعبرها الطريق السريع (تزنيت وكلميم وطانطان والوطية والعيون)، ويروم هذا المشروع المهيكل إلى تزويد الأقاليم الجنوبية للمملكة بمحور طرقي يتصف بأعلى المعايير الدولية ودرجة عالية من السلامة.

       كما تهدف هذه الطريق السريعة إلى تقليص مدة التنقل، وتجنب الانقطاعات على مستوى الطرق بسبب الفيضانات وزحف الرمال وتسهيل نقل البضائع من وإلى مدن الجنوب مع لتحسين السلامة الطرقية وضمان الاندماج الفعلي لهذه الأقاليم بالحياة الاقتصادية، وتعزيز البنية التحتية والرفع من جاذبية الأقاليم الجنوبية والنهوض بالمجالات الاقتصادية، وتعزيز إشعاعها كمركز تجاري اقتصادي، وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي(10)، ويعد هذا المشروع “ذو نطاق استراتيجي، سيكون له بعد إفريقي، إذ سيؤثر على التبادلات البشرية والاقتصادية والثقافية بين المملكة ودول مثل موريتانيا والسنيغال ومالي”(11)، مما سيؤهل الأقاليم الجنوبية كجسر محوري بين المغرب والعمق الإفريقي.

ثانيا: دور ميناء الداخلة الأطلسيفي التكامل الاقتصادي الإفريقي

        استكمالا لتأهيل الأقاليم الجنوبية، ومواصلة للاستثمار في البنية التحتية البحرية، بإنشاء ميناء جديد على بعد 40 كلم إلى الشمال من الداخلة، بمنطقة نتريفت، ومن أجل تطويرها بميناء تجاري مع دول غرب أفريقيا، مما سيجعل من ميناء الداخلة الأطلسي يحقق تنمية جهوية وتطوير قطاع الصيد البحري، بدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة بكلفة تقديرية 10 ملايير(12)، من أجل جعله محطة بحرية نحو التنمية الجهوية ولإعطاء دفعة للاقتصاد المحلي، وأهدافه الإستراتيجية، وسيستفيد مشروع ميناء الداخلة الأطلسي من بنيات تحتية موازية، تتمثل على الخصوص في الطريق السريع الذي سيربط بين تيزنيتوالداخلة ومنها إلى الحدود المغربية – الموريتانية وباقي بلدان القارة الإفريقية، في سياق دعم توجه المملكة نحو تمتين سبل التعاون جنوب – جنوب، كما سيمكن من تعزيز التوجه المغربي لإفريقيا الأطلسية وجعل الأقاليم الجنوبية كقطب دولي للتنمية والاستثمار، ونقطة لتعزيز الروابط البحرية والتجارية بين المغرب وسائر دول الدول المطلة على المحيط الأطلسي، دعما للأهداف الاستراتيجية الخارجية للمغرب، المتعلقة بالانفتاح على القارة الإفريقية.

       جعل المغرب الأقاليم الجنوبية، بوابة نحو غرب أفريقيا الأطلسية، بتقديمه فضاء لتقدم أفريقيا الأطلسية الموحدة عبر دعوته، واستضافته اجتماع دول أفريقيا الاطلسيةالتي تشكل 46 في المائة من سكان أفريقيا، و55 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأفريقي، واقتصاديات تحقق 57 في المائة من التجارة القارية، وإذا ما قرأناه هذا التحرك الجماعي من منظور المناطقية في العلاقات الدولية، فإننا سنجد أنفسنا أمام هوية استراتيجية جديدة في المنطقة وفضاء جيو سياسي جديد في العلاقات الدولية.

هوامش

ــــــــــــــــــــــ

 

(1) صلحي (أحمد): “دور الأقاليم الجنوبية في تعزيز البعد الافريقي لتوجهات المغرب الخارجية” دراسة ضمن مؤلف جماعي تحت عنوان: بعنوان “تطور قضية الصحراء في ضوء المستجدات الآنية / آليات الترافع وإواليات الدفاع”، (منشورات مركز الدراسات والأبحاث القانونية والقضائية والاجتماعية، ومركز الصحراء للدراسات والأبحاث في التنمية وحقوق الانسان، الطبعة الثانية 2022)، الصفحة: 261.

(2) عرض وزير الداخلية عبد الوافي الفتيت لمشروع ميزانية الفرعية لوزارة الداخلية لسنة 2018، تقرير لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، حول الميزانيات الفرعية للسنة المالية 2018، دورة أكتوبر 2017، الصفحة: 2.

(3) اللجنة المكلفة ببلورة نموذج تنموي جديد للأقاليم الجنوبية: “النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية”، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الرباط، أكتوبر 2013، الصفحات: 64-66.

(4) شوفور (جان بيير): “المغرب في أفق 2040: الاستثمار في الرأسمال اللامادي لتسريع الإقلاع الاقتصادي”، مجموعة البنك الدولي، واشنطن، 2017، الصفحة: 9.

(5)GHARBAOUI Hayat «Un plan de 77 milliards de dirhams pour le Sahara»TELQUEL, le 07 Novembre 2015, vu le 07 juillet 2022, https://telquel.ma/2015/11/07/plan-77-milliards-dirhams-sahara_1469455

(6) جواب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني عن السؤال المحوري المتعلق بالبرامج التنموية بالأقاليم الجنوبية، الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسات العامة، مجلس النواب، 30 نونبر 2020، الصفحة 9.

(7) وزارة التجهيز والماء: “الطريق السريع تزنيت – الداخلة”، على الموقع الالكتروني للوزارة:

http://www.equipement.gov.ma/AR/projets-phares/Pages/Tous-les-Projets.aspx?IdNews=6

(8)  وزارة التجهيز والماء: “الطريق السريع تزنيت – الداخلة”، مرجع سابق.

(9)  المرجع نفسه.

(10) جواب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني عن السؤال المحوري المتعلق بالبرامج التنموية بالأقاليم الجنوبية، الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسات العامة، مجلس المستشارين، 15 ماي 2020، الصفحتين: 2-3.

(11) BADRANEMohamed:“Voie express Tiznit-Dakhla, un projet à dimension panafricaine”, Aujourd’hui, Le 06 novembre, 2020, vu le 03 juillet 2022

https://aujourdhui.ma/economie/voie-express-tiznit-dakhla-un-projet-a-dimension-panafricaine

(12) صلحي (أحمد): “دور الأقاليم الجنوبية في تعزيز البعد الافريقي لتوجهات المغرب الخارجية” دراسة ضمن مؤلف جماعي تحت عنوان: بعنوان “تطور قضية الصحراء في ضوء المستجدات الآنية / آليات الترافع وإواليات الدفاع”، (منشورات مركز الدراسات والأبحاث القانونية والقضائية والاجتماعية، ومركز الصحراء للدراسات والأبحاث في التنمية وحقوق الانسان، الطبعة الثانية 2022)، الصفحة 269.