جريدة

خصوصية البيانات في زمن العولمة: التحديات الأوروبية في ظل جائحة كورونا

بقلم الأستاد : م ع

يشهد العالم اليوم تسارعاً هائلاً في الترابط الاقتصادي، مدفوعاً بالتكنولوجيا الرقمية وتدفق المعلومات عبر الحدود. لكن هذا الترابط يطرح تحديات جمة، أبرزها حماية خصوصية البيانات الفردية. ففي ظلّ العصر الرقمي، أصبحت معلوماتنا الشخصية هدفاً لِلسرقات وَانتهاكات الخصوصية من مختلف الأطراف، من شركات التكنولوجيا إلى الجهات الحكومية وحتى الجهات المجرمة. وَتُعتبر أوروبا من أوائل المنظمات التي حاولت مواجهة هذه التحديات بِتشريعات صارمة كَـ”التنظيم العام لحماية بيانات الأفراد” (GDPR).

أظهرت جائحة كورونا بوضوح مدى أهمية حماية البيانات الشخصية. ففي سعي الحكومات للحدّ من انتشار الفيروس، تمّ جمع كميات هائلة من البيانات الصحية والشخصية للأفراد، من خلال تطبيقات التعقب الصحي وغيرها. وقد أثارت هذه الممارسات مخاوف واسعة النطاق بشأن الاستخدام المحتمل لهذه البيانات وَاحتمالية انتهاك الخصوصية. فقد تُستخدم هذه البيانات لِأغراض أخرى خارج نطاق الهدف الأصلي، كَـالتسويق المُستهدف أو حتى لِأغراض المُراقبة وَالتحكم.

لذا، برزت أهمية التضامن الأوروبي في مواجهة هذه التحديات. فَـ”التنظيم العام لحماية بيانات الأفراد” (GDPR) يُمثل إطاراً تشريعياً متقدماً يُلزم الشركات والمنظمات بِحماية بيانات المُستخدمين وَمنحهم حقّ الوصول إلى بياناتهم وَحذفها. لكن تنفيذ هذا التنظيم يُواجه صعوبات، خاصة في ظلّ الوضع الخاص بِجائحة كورونا وَالتسارع الهائل في التطورات التكنولوجية.

بالإضافة إلى ذلك، تُواجه أوروبا تحديات أخرى في مجال حماية بيانات الأفراد، منها:

التعاون الدولي: يُمثل التعاون الدولي في مجال حماية البيانات تحدياً كبيراً. فَـقوانين حماية البيانات تختلف من دولة إلى أخرى، ما يُعقّد مُهمة حماية البيانات عبر الحدود.
الذكاء الصناعي: يُثير استخدام الذكاء الصناعي مخاوف جديدة بشأن حماية البيانات الشخصية، خاصة بِالنظر إلى قدرة الخوارزميات على تحليل البيانات وَاستخلاص معلومات قد تُعتبر حساسة.
الأمن السيبراني: يُشكل الأمن السيبراني عائقاً كبيراً أمام حماية البيانات الشخصية، فَانتهاكات الأمن السيبراني تُهدّد بِكشف البيانات الحساسة وَسرقتها.

لذا، يُعدّ التضامن الأوروبي أمراً حاسماً في مواجهة هذه التحديات. فَـالتعاون بين الدول الأوروبية في مجال وضع القوانين وَتنفيذها، بالإضافة إلى التعاون في مجال الأمن السيبراني وَالتوعية بِمخاطر انتهاكات الخصوصية، يُعتبر أمرًا بالغ الأهمية لِضمان حماية بيانات الأفراد في العصر الرقمي. ولكن الأمر يتطلب أيضاً مُشاركة فعّالة من طرف الشركات وَالمُؤسسات التي تتعامل مع هذه البيانات، وَالتزاماً صارماً بِمُبادئ الشفافية وَالمُحاسبة