جريدة

دونا أبيتبول تروي قصة عائلية مستلهمة من المطبخ المغربي

ميديبيا أونكيت 24

بوينس آيرس – “وصفات مع حكايات.. من المغرب إلى الأرجنتين”، ليس مجرد كتاب طبخ عادي. فقد خطت سطوره دونا أبيتبول، وهي أم من أصول مغربية تقيم في الأرجنتين، لتقود القارئ في رحلة حميمية وحسية وثقافية، من خلال وصفات المطبخ المغربي التقليدي التي انتقلت من جيل إلى آخر، من شمال المغرب إلى ضفاف نهر ريو دي لا بلاتا.

وفي سرد يجمع بين الطابع الشخصي والبعد الكوني، تمزج الكاتبة بين ذكريات الطفولة في تطوان، وأجواء الأعياد الدينية، وإشارات إلى التاريخ المغربي الحديث، ولمسات طبخ متوارثة عن الأمهات والعمات والجدات.

وتتحول كل وصفة إلى مناسبة لسرد حكاية، إذ تكفي رائحة فطيرة اللوز الخارجة للتو من الفرن، أو مذاق التمر المحشو، أو عبق القرفة المتسلل في المطبخ، لإيقاظ ذاكرة عائلية ضاربة في جذور تطوان، المدينة التي تنحدر منها دونا، حيث تعايشت التقاليد اليهودية والإسلامية لقرون.

وفي حفل تقديم هذا الكتاب أمس الثلاثاء بمقر جمعية الطائفة اليهودية المغربية ببوينس آيرس، قدمت دونا أبيتبول المطبخ المغربي باعتباره لغة للتجذر في الهوية.

“الطبخ فعل حب وانتماء”، تكتب دونا أبيتبول بكل قناعة. فبالنسبة لها، لا يختزل فعل الطهي في مزج المكونات أو القيام بتقنيات معينة، بل يتعداه ليصبح ” وسيلة لرواية قصص وتقاسم الهوية من خلال النكهات”.

وعلى امتداد 130 صفحة، توثق أبيتبول سلاسل انتقال المعارف في الطبخ المغربي، التي لم تندثر قط، حيث تتحول كل مناسبة دينية إلى طقس غذائي يؤطر الحياة الجماعية.

وبعيدا عن كونه مجرد تعبير عن الحنين إلى الماضي، يعد هذا المؤلف، كما أوضحت الكاتبة خلال حفل تقديمه، إرثا تهديه دونا أبيتبول لبناتها الثلاث ولشباب طائفتها. إنه تراث حي تشعر بمسؤولية نقله إلى الأجيال الناشئة.

ويمثل هذا العمل كذلك شهادة حية على غنى وأصالة المطبخ المغربي، حيث تحتفي المؤلفة بتقاليد عريقة، تعكس مزيجا متداخلا بين المغرب والأندلس والشرق والمتوسط. ويزخر الكتاب بأطباق يهودية سفاردية أصيلة، من قبيل “الدفينة”، وأطباق الكسكس بسبعة خضر، والحلويات بالفواكه الجافة والعسل واللوز التي كانت تزين موائد الأعياد.

وبأسلوب رصين ومفعم بالعاطفة، تستعيد دونا أبيتبول ذكريات الطفولة في تطوان، ثم لحظة الرحيل إلى الأرجنتين مطلع الستينيات، حيث استقرت عائلتها كحال العديد من العائلات اليهودية المغربية.

ورغم البعد الجغرافي، لم تنطفئ جذوة التقاليد، بل أعيد إحياؤها وحُفظت نابضة بالحياة من خلال فن الطبخ، حيث تمكنت نساء الطائفة من الحفاظ على الوصفات المتوارثة، وإن تكيّفت أحيانا مع مكونات محلية، إلا أنها ظلت وفية لروحها الأصلية.

ويغدو هذا الإرث المطبخي جسرا يصل بين عالمين بدل أن يظل جامدا، حيث تواصل هذه التقاليد انتقالها وتجددها في حوار دائم بين الماضي والحاضر، وبين الوطن الأم والبلد المضيف.

“إن الطبخ الجماعي يصبح شكلا من أشكال الإبقاء على الحكاية العائلية حية”، هكذا كتبت دونا، مؤكدة أن الاجتماع حول المائدة و” فن الاستضافة” يكتسيان بعدا مقدسا، وأسلوبا للاحتفاء بالحياة.

وفي الصفحات الأخيرة، تهدي دونا أبيتبول كتابها لبناتها وحفيدها، في إشارة صريحة إلى رغبتها في استمرارية هذه الذاكرة المطبخية. فالوصفات، حسب قولها، تظل حية وإن تعددت أشكالها أحيانا باختلاف لمسة كل أسرة، غير أن الجوهر يظل ثابتا: النكهة، والرائحة، واللمسات المشتركة، التي تعيد إلى الذاكرة لحظات السعادة التي عاشتها العائلات في المغرب.