
مرت شهور على انتهاء المرحلة الانتقالية، التي كان من المفترض أن تلتزم خلالها شركة “ميكومار” بتنفيذ بنود دفتر التحملات الجديد الذي يهدف إلى تحسين تدبير قطاع النظافة في مدينة فاس، لكن الواقع على الأرض يكشف عن استمرار التدهور، بل وتفاقمه يومًا بعد يوم. فالعاصمة العلمية تغرق بشكل متواصل في الأزبال، والشوارعَ تحولت إلى فضاءات متسخة تضر بجمال المدينة وتهدد الصحة العامة، في حين يظل المجلس الجماعي والسلطات المحلية مكتوفي الأيدي، كأن الأمر لا يخصهم.
دفتر التحملات وُضع ليُعزز من كفاءة نظافة فاس، مع مراعاة خصوصياتها وتوسعاتها العمرانية، إلا أن شركة “ميكومار” المفوض لها تدلل على خرق مكشوف لالتزاماتها، والاستفادة من وضعية الصمت والتواطؤ المحتمل من قبل المجلس الجماعي، الذي يبدو غير متحمس لمراقبة استجابة الشركة. فقد انتهت المهل المحددة لتنفيذ الفعل، ووعود التطوير تبخرت، وبدأت الشاحنات المهترئة في الدوران بجانب استغلال بعض الشاحنات المعدة لنقل الرمال لجمع النفايات بطريقة غير مقننة، في استهتار واضح بالمعايير التقنية والبيئية.
وفي مشهد يكشف عن عبثية الوضع، استُعاض عن الأسطول المتآكل بأوعية نقل غير مخصصة لجمع النفايات، وهو ما يضع المدينة أمام كارثة بيئية وصحية، وتبرز علامات استفهام حول مدى مراقبة المجلس الجماعي ومتابعة التزام الشركة، وما إذا كان هناك تواطؤ خفي يُغض الطرف عن هذه الانحرافات.
أما المواطن الفاسي، فإن المشهد اليومي يعبّر أكثر من أي تقرير رسمي عن حجم الأزمة: أحياء مكتظة بالحاويات المكسرة، نقاط سوداء للنفايات، روائح كريهة وتكاثر للقوارض، في صورة تخلو من أدنى مقومات التدبير الحضري والمسؤولية الجماعية. غياب الرقابة وضعف الأداء يهددان صورة المدينة التاريخية، التي لم تعد تُعبر عن سابق مجدها، بل أصبحت عنوانًا للفشل في احترام القانون وتحقيق المصلحة العامة.
وفي المقابل، يظل رئيس مجلس المدينة صامتًا إزاء هذا الوضع، إما لأنه يجهل التفاصيل، أو لأنه يفضل الإغفال، مما يفتح النقاش حول الإدارة الداخلية للمدينة، وقدرتها على فرض الالتزام، أو أن المدينة أصبحت فعلاً “مزرعة” خاصة، يديرها أمراؤها على هواهم، في غياب محاسبة ومسؤولية واضحة.
إن استمرار الحال على ما هو عليه لا يضر بصورة فاس فحسب، بل يُظهر خللاً هيكليًا في منظومة التدبير المفوض بالمغرب، حيث يتجاوز الأمر مجرد شركة، ليتحول إلى نظام من الهيمنة والتسيب، بينما المجالس المنتخبة تتفرج أو تغض الطرف، في غياب أي رادع قانوني.
فاس اليوم ليست فقط مدينة مريضة بالنفايات، بل هي عنوان لفشل إداري وأخلاقي في تطبيق القانون، وحالة من التسيب يُخلف خيبة أمل عميقة لدى ساكنتها. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل نحن في دولة الحق والقانون التي تلزم الشركات بتفيذ التزاماتها، أم أن الأمر أصبح مرهونًا بمزرعة خاصة يديرها من يشاء، ويعمل فيها من يرضى، دون رقابة أو مساءلة؟