جريدة

فرنسا تتخلى عن المغرب لصالح علاقاتها مع الجزائر.

مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية تتحدّث، في تقرير نشرته اليوم، عن العلاقة الفرنسية المتنامية بالجزائر، على حساب حليفها التاريخي المغرب، في مفارقة واضحة مع سياسة باريس قبل عام، تجاه الدولة الأفريقية القوية.

وصفت “ذا إيكونوميست” الأمر بأنّه “انقلاب للطاولة”، إذ إنّه “قبل أكثر من عام بقليل، رفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجزائر، باعتبارها نظاماً مستهلكاً، وخفض عدد التأشيرات الصادرة لمواطنيها، لكن منذ ذلك الحين سعت فرنسا بشغف لإعادة تقاربها معها”.

ولفتت المجلة إلى أنّه “مع ازدهار علاقات فرنسا بالجزائر، فإنّ العلاقات بالمغرب تذبل”، فلقد زار ماكرون المغرب، آخر مرة، عام 2018، وقام منذ ذلك الحين برحلة إلى الجزائر، بينما أمضى ملك المغرب محمد السادس 4 أشهر على الأقل في باريس العام الماضي، لكنّه لم يلتقِ الرئيس الفرنسي”

وتساءلت المجلة في تقرير لها: “كيف قُلبت الطاولات منذ العام الماضي؟”، ففي ذلك الوقت، نبذ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجزائر، المستعمرة الفرنسية السابقة الإشكالية، كنظام عفا عليه الدهر، وخفّض عدد التأشيرات الممنوحة لمواطنيها، واستدعت الجزائر غاضبة سفيرها ومنعت الطيران الفرنسي من العبور في أجوائها.

 ومنذ ذلك الوقت، حاولت فرنسا وبرغبة شديدة التقارب مع الجزائر. وفي 23 كانون الثاني/ يناير، استقبل ماكرون، سعيد شنقريحة، أبرز الجنرالات في الجزائر، والرجل الأقوى في البلاد. وتبعه بعد ذلك وفد فرنسي كبير إلى الجزائر. وعلق دبلوماسي ساعد على ترتيب الزيارة بالقول إنها “دينامية غير عادية”.

جوف بورتر: “اعتقد المغاربة أنهم يتحركون أسرع من الجزائر في أوروبا، وفجأة أصبحت الجزائر مهمة وأقل إشكالية”.

وفي الوقت الذي ازدهرت فيه العلاقات مع الجزائر، ذبلت علاقات فرنسا مع ما وصفته بـ”ربيبها السابق” المغرب، ومنافس الجزائر. وكانت آخر مرة زار فيها ماكرون المغرب في عام 2018. وقضى الملك محمد السادس على الأقل أربعة أشهر في فرنسا العام الماضي، لكنه لم يلتق مع الرئيس الفرنسي. وفي 19 كانون الثاني/ يناير ساعد حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” على الدفع بقرار في البرلمان الأوروبي، شجب فيه انتهاكات حقوق الإنسان بالمغرب، وبدون التلميح للجزائر، ذات السجل الصارخ أيضا، بحسب قول المجلة.

وقال الخبير الأمريكي بالشؤون الجزائرية، جوف بورتر: “اعتقد المغاربة أنهم يتحركون أسرع من الجزائر في أوروبا، وفجأة أصبحت الجزائر مهمة وأقل إشكالية”.

وتقول المجلة إنه في ظل الحرب الأوكرانية، كانت ثروة الغاز الجزائرية هي السبب في التقارب مع فرنسا وأوروبا. فقد زارت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، الجزائر وليبيا لمناقشة الاستثمارات والطاقة. وتعتمد إيطاليا على الغاز الجزائري بنسبة 40% بزيادة عن 30% قبل الحرب في أوكرانيا. وانخفضت حصة الغاز الروسية في إيطاليا إلى 10% من 40%. وبالمقارنة، لا يملك المغرب هيدروكربونات ليقدمها لأوروبا.

وظلت روسيا وعلى مدى عدة عقود، الشريك الدفاعي الأكبر والمزود الرئيسي للسلاح للجزائر. ومن المثير للانتباه، مناقشة الجنرال شنقريحة مبيعات الأسلحة مع شركات فرنسية أثناء زيارته. وفرح الأوروبيون عندما قرر الرئيس عبد المجيد تبون تعليق زيارته لموسكو.

الغربي وترى المجلة أن المغرب يلام ولو جزئيا في تراجع الحماس الفرنسي. والملك محمد السادس غائب دائما، والسياسة الخارجية للبلد متغيرة. كما أن مطالب البلد المستمرة من أوروبا القبول بسيادتها على الصحراء المغربية لم تلق قبولا. واتهم ممثلوه بمحاولة رشوة نواب البرلمان الأوروبي قبل فترة. كما اتُهم المغرب باستخدام برنامج تجسس إسرائيلي للتنصت على حلفائه السابقين بمن فيهم الرئيس ماكرون.

يبدو أن المغرب قد أدار ظهره لما يطلق عليه “أوروبا القديمة”، وبات يتطلع للتعاون الدفاعي مع أمريكا وإسرائيلوعلى أية حال، يبدو أن المغرب قد أدار ظهره لما يطلق عليه “أوروبا القديمة”، وبات يتطلع للتعاون الدفاعي مع أمريكا وإسرائيل. ووصف مراقب مخضرم في الرباط، بأن المغرب يشبه “عشيقة مهجورة غاضبة، بعدما عاد شريكها لحبّه الحقيقي”. وصوّت البرلمان المغربي بالإجماع على إعادة النظر بالعلاقات مع أوروبا بعد تصويت البرلمان الأوروبي الشاجب لحقوق الإنسان في المغرب. ويتهم الساسة المغاربة نظراءهم الأوروبيين، وخاصة الفرنسيين بالتدخل الاستعماري.وفي الوقت نفسه، تزدهر علاقات الصداقة المغربية مع إسرائيل، ويُتوقع أن يستضيف وزير خارجيتها، وزيري خارجية إسرائيل والإمارات لإحياء الذكرى الثانية لتوقيع اتفاقيات إبراهيم التطبيعية. واختيار مكان اللقاء له دلالاته، حيث سيُعقد في مدينة الداخلة بالصحراء الغربية.وفي الوقت نفسه، يتزايد التوتر على الحدود الجزائرية- المغربية، وكانت آخر مرة خرج الوضع فيها عن السيطرة هي عام 1963. ويخشى المغرب من قيام الجزائر بإمداد مقاتلي جبهة البوليساريو بالمسيّرات. في المقابل، تخشى الجزائر من مساعدة إسرائيل للمغرب في التخطيط لحرب “سيبرانية” ضد حقول النفط الجزائرية.وتعلق المجلة أنه “عندما تتخلى فرنسا عن عشيقة من أجل حبيب جديد، فتوقع أن يطير الشرر في الصحراء”.

وكان الرئيس الفرنسي أعرب، في تصريح لمجلة “لوبوان” الفرنسية عن أمله أن يتمكن الرئيس تبون من القدوم إلى فرنسا العام الجاري، من أجل “مواصلة نهج الصداقة”، وفق تعبيره، بعد الزيارة التي قام بها للجزائر في آب/أغسطس الماضي.

يُشار إلى أنّ وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، أعلن، الشهر الماضي، فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين وإعادة العلاقات القنصلية بالجزائر إلى طبيعتها.

وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، نشبت أزمة دبلوماسية بين فرنسا والجزائر بعد تصريحات مفاجئة وغير مسبوقة أطلقها ماكرون، وشكَّك فيها في وجود “أمة جزائرية” قبل الاستعمار الفرنسي.