جريدة

فيصل بوعصى: فاتحة الطايب  في رحلة مع  ابن بطوطة المواطن الكوني

بقلم الطالب الباحث: فيصل بوعصى 

يتميز كتاب” الوطن – الأمة وأوربا المسحية في رحلة ابن بطوطة” بأهمية بالغة بالنظر إلى القضايا التي يعالجها. فالكاتبة فاتحة الطايب حاولت الكشف عن بعض المفاهيم التي كانت إلى هذه اللحظة فضفاضة وعامة في مجال الرحلة، خاصة رحلة ابن بطوطة، المليئة بالأحداث والقضايا التي تستحق الدراسة والتحليل.

 

  إن القراءة الفاحصة التي قامت بها الكاتبة شكلت فرصة سانحة لطرح أسئلة مقلقة وعميقة من قبيل: ما مفهوم الوجهة عند ابن بطوطة؟ ما المقصود بالمواطن الكوني؟ متى يمكن الحديث عن المواطن الكوني؟ ثم ماذا نقصد بالقرية الكونية؟كيف يمكننا أن نتحدث عن المواطنة الكونية في زمن العولمة؟ هل هناك ارتباط وثيق بين الوعي الكوني والحضاري؟

 

     لقد استحق ابن بطوطة لقب المواطن الكوني في اعتقاد فاتحة الطايب، لأنه -بكل بساطة -كان واثقا من نفسه قادرا على خوض المغامرة مفتخرا ببلده المغرب ومدينته طنجة التي تُعد منطلقالرحلاته نحو العالم، كيف لا وهو الذي نشأ في ظل  لغتين وثقافتين؛ العربية والأمازيغية.  إن الذات التي لا تنتمي إلى وطن خاص-كما قالت فاتحة الطايب-ذات لا تملك ما يخول لها السعي وراء المواطنة الكونية لأنها تعد في هذه الحالة على هامش العالم.

 

إن ما يزكي هذه المواطنة حسب الكاتبة ارتباط ابن بطوطة الديني، أو بالأحرى افتخاره بالأمة التي ينتمي إليها، ففي اعتقاده أن الانتماء إلى الوطن، انتماء إلى الأمة. فبقدر افتخاره وتقديره لوطنه الأم –المغرب طنجة- بقدر  إيمانه  بالأمة الإسلامية التي تمنحه الشمولية والانفتاح على الآخر .

 

ضف إلى ذلك، أن ابن بطوطة لم يكن منغلقا على ذاته، خاصة وأن السياحة فتحت أفقه، وأذكت عقله، ووسعت مداركه، وأخرجته من ضيق الفكر إلى رحابته. فهو بهذا الأسلوب، استطاع الاطلاع على ما عند الأمم من ثقافة وفكر وأدب وصناعة وعمارة وعبادة وحضارة وغيرها من مجالات الحياة المختلفة.

 

 كل هذا، دون أن ينسى أصله وفرعه ودينه وأمته. وبالتالي فما يميز ابن بطوطة، حسب الكاتبة، انفتاحه على الآخر مع المحافظة على الأخلاق والقيم والمبادئ التي تربى فيها. والذي يدل على كلامنا هذا، أن رحلة ابن بطوطة المكتوبة تكاد تخلو من الأوصاف القدحية، لأنه يسعى إلى إرساء الأوصاف الحميدة التي تتناسب وعقيدته، الأمر الذي أكدته الدكتورة فاتحة الطايب في كتابها غير ما مرة.

 

إن هذا البعد الكوني الذي ارتبط بابن بطوطة لم يمس شخصه فقط إنما تجاوز ذلك ليشمل المغرب وموطنه الأصلي وبالضبط طنجة التي تطل على واجهتين بحريتين، وهي صلة وصل بين القارة الافريقية والأوروبية. على هذا الأساس اكتسب ابن بطوطة صفة الانسان المتحضر ومن خلاله اعُتبرت طنجة متحضرة أيضا. يبدو أن هذا البعد الإشعاعي قد منح المغرب هيبة وتحضرا، خاصة في الظروف السياسية التي عاشها وقتئذ.

 

إن من أهم الخلاصات التي توصلت إليها الكاتبة فاتحة الطايب هي أن المواطنة الكونية لها أبعاد متعددة ومرتكزات تستند عليها، وأن تكون مواطنا كونيا يعني أنه قرار فردي متصل بتصورات البلد الذي ينتمي إليه الشخص. من هذا المنطلق يمكن القول إن ابن بطوطة استحق لقب المواطن الكوني الذي وصفته به الكاتبة.