المغرب – تتصاعد حدة الخلاف بين مهنة العدول والحكومة المغربية، بعد مصادقة مجلس الحكومة على مشروع قانون جديد يُعيد تنظيم مهنة العدول، وهو ما أثار موجة رفض واسعة في صفوف النخبة المهنية التي اعتبرت النص تهديداً مباشراً لاستقلاليتها و”انقلاباً على ميثاق العدالة”.
في الأسبوع الماضي، صادق مجلس الحكومة، خلال اجتماعه يوم الخميس 20 نونبر 2025، على مشروع القانون رقم 16.22 الذي يتعلق بتنظيم مهنة العدول، وذلك بعد أن أخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في هذا الشأن، حسب البيان الرسمي لوزارة العدل.
ويرى مشروع القانون، الذي قدمه وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أن دور العدول محوري في منظومة العدالة، خاصة فيما يتعلق بتوثيق الحقوق والمعاملات والحفاظ على “أعراض الناس وأنسابهم”، كما يهدف إلى مراجعة الإطار القانوني الحالي المنظم للمهنة منذ عام 2006، ويأتي استجابة لتوصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، بما في ذلك فتح المجال للمرأة للانخراط في المهنة انسجاماً مع التوجيهات الملكية.
رفضت سبعة مجالس جهوية للعدول مشروع القانون رفضاً قاطعاً، وأكدت أن المشروع “أحدث صدمة وغضباً واسعاً” بين عموم العدول في المملكة.
أعلنت تنسيقية مجالس العدول المغربي، الممثلة لرؤساء المجالس الجهوية في تطوان، الراشيدية، وجدة، مكناس، طنجة، آسفي، وبني ملال، رفضها للصيغة الحالية للمشروع في بلاغ مشترك.
يرى العدول أن المشروع يشكل تراجعاً خطيراً عما تم التوافق عليه سابقاً مع الهيئة الوطنية للعدول. وأكدت المجالس أن النص الحالي لا يمنحهم الأدوات الكافية لمواكبة التحولات المهنية أو ضمان جودة الخدمات التوثيقية وحماية حقوق المواطنين التعاقدية.
يُعتبر حذف آلية حساب الودائع من بنود المشروع أحد أهم نقاط الخلاف. وصفته تنسيقية العدول بأنه “مؤشر على التمييز” بين المهن التوثيقية، حيث يمنح بعضها احتكاراً لآلية الإيداع، مما يشكل -حسب رأيهم- “ريعاً تشريعياً فاضحاً” ويبعد العدول عن توثيق المعاملات العقارية والتجارية المهمة، ويحد من قدرتهم على المنافسة الشريفة.
غموض حول أدوات المواكبة: أشار البلاغ المشترك إلى أن الصيغة المصادق عليها “لا تمنح العدول الأدوات الكافية لمواكبة التحولات المهنية وضمان جودة الخدمات التوثيقية”، دون أن توضح الحكومة هذه الأدوات أو آليات تفعيلها.
عبر رؤساء المجالس الجهوية عن استغرابهم من الصمت الرسمي للهيئة الوطنية للعدول ومكتبها التنفيذي حيال المشروع، في ظل احتجاجات واسعة داخل القطاع، مؤكدين أن الأجهزة التمثيلية يجب أن تعكس إرادة القاعدة المهنية.
يأتي رفض المشروع في وقت نصّ فيه على مجموعة من الشروط الجديدة لمزاولة المهنة، تشمل:
فتح مكاتب مجهزة في نطاق دائرة نفوذ المحكمة الابتدائيةمع استخدام الوسائل التقنية الحديثة لتحرير العقود والشهادات.
فرض شهادة طبية سنوية للاستمرار في الممارسة، وتحديد سن للعدول.
السماح بممارسة المهنة بشكل فردي أو ثنائي أو في إطار المشاركة، مع تحديد جزاءات تأديبية للمتخلفين.
ويعكس هذا المشروع محاولة الحكومة ضبط المهنة ورفع مستوى الخدمات، لكنه يبدو أنه لم يلق قبولاً من الجسم المهني الذي يرى فيه تقييداً لحريته وإضعافاً لدوره.
دعت تنسيقية المجالس الجهوية إلى سحب المشروع بالكامل لإعادة صياغته وفق معايير الإنصاف والتوازن. كما دعت جميع العدول والمكونات المهنية إلى تحمل مسؤولياتهم والاستعداد لاستخدام جميع الوسائل القانونية لحماية حقوقهم ومكتسباتهم من أي قانون “يستهدف تحجيم دورهم”.
من جهة أخرى، تهدف الحكومة، وفق رؤيتها المعلنة، إلى تحديث الإطار القانوني للمهنة وجعله أكثر انسجاماً مع مستجدات العصر ومتطلبات الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة، مع التأكيد على الدور الاجتماعي والأخلاقي للعدول في تحقيق الأمن التوثيقي.
حتى الآن، لم يصدر أي رد فعل رسمي من وزارة العدل أو الهيئة الوطنية للعدول على هذا الرفض العلني من جانب سبعة مجالس جهوية. ويبقى مصير هذا المشروع القانوني الذي يجمع بين سعي للإصلاح ورفض مهني واسع، رهين المزيد من التشاور أو قد يشهد تصعيداً في الأسابيع المقبلة.