جريدة

لعبة الخطاب الموحد حين تتحول السياسة إلى سوق أسبوعي

ميديا أونكيت 24

 تتحول الساحة السياسية المغربية إلى مسرح كبير تُعرض عليه نفس المسرحية، بنفس الشخصيات، ونفس الحبكة، وحتى نفس الحوار. فمع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية لعام 2026، عادت الأحزاب السياسية، حكومةً ومعارضةً، لتوحد خطابها في تناغم مريب، وكأنها فرقة أوركسترا تعزف مقطوعة واحدة بقيثارات مختلفة.

الاتفاق الضمني الذي لم يُعلن عنه، لكنه الأكثر وضوحاً، يجعل من النقد سلعة رائجة في سوق السياسة. فما أن يقترب عمر الحكومة من نهايته، حتى يتحول قادتها، الذين كانوا حتى الأمس القريب يدافعون عن قراراتها، إلى نقاد لاذعين يوجهون سهام الاتهام إلى “الحكومة السابقة”، وكأنهم لم يكونوا شركاء في تأسيسها وإدارتها. هنا، تتحول لغة الخطاب من لغة المسؤولية إلى لغة التبرير، حيث تصبح “الإكراهات” و”ثقل الإرث” و”ضيق الوقت” كلمات سحرية تُستخدم لتحويل الفشل إلى وعود جديدة.

وفي الزاوية المقابلة، تخرج أحزاب المعارضة من عباءتها قواميس الهجاء والنقد، لتشن هجوماً عنيفاً على الأحزاب الحاكمة، متهمة إياها بالعجز والانشغال بالمصالح الشخصية عن هموم المواطنين. الغريب في الأمر أن هذا الخطاب لا يختلف كثيراً عن خطاب الأحزاب الحاكمة نفسها عندما كانت في المعارضة، مما يطرح سؤالاً حول جدوى هذه التصنيفات إذا كان الجميع يتحدثون بنفس اللغة عند كل منعطف.

ولعل أكثر المشاهد سوريالية هو ذلك الذي تتحول فيه الحكومة إلى هجوم ضد نفسها، حيث تبدأ في انتقاد سياساتها الخاصة والتقليل من إنجازاتها، وكأنها تستعد لدور جديد في المعارضة قبل أن تترك كراسيها. هذا التناقض الصارخ ليس سوى استعداداً للموسم الانتخابي القادم، حيث سيتم تغليف الفشل بوعود جديدة وشعارات طنانة.

وفي الأحياء الشعبية والأسواق الأسبوعية، يعود القادة السياسيون إلى أدوارهم المفضلة: “القيادي المتواضع” الذي يجالس المواطنين على الحصير، ويتناول معهم أطباق “البيصارة” و”الكابايلا”، ويؤكد أن هاتفه “رهن إشارتهم”. هي نفس الاستعراضات التي تهدف إلى دغدغة مشاعر الناخبين وإقناعهم بأن هذه المرة ستكون مختلفة.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: إلى متى ستستمر هذه اللعبة؟ وإلى متى سيصدق المواطنون أن الاختلاف الحقيقي بين الأحزاب يكمن في خطاب موحد يتغير فقط حسب الموقع في الحكومة أو المعارضة؟ أم أن الوقت قد حان لكسر هذه الدورة وانتظار قادة يقدمون برامج حقيقية بدلاً من شعارات طنانة، ويعترفون بأخطائهم بدلاً من إلقاء اللوم على الآخرين؟

الانتخابات المقبلة ليست مجرد استحقاق لتغيير الوجوه، بل هي اختبار لوعي الناخب الذي لم يعد يخفى عليه أن اللعبة القديمة لم تعد مجدية.或许 حان الوقت لأن تتحول السياسة من سوق أسبوعي للخطابات إلى فضاء للحوار الجاد والمسؤولية الحقيقية.