جريدة

لغم يشعل فتيل التوتر بين باكستان وافغانستان

 

 

 

 

وبالرغم من تلك الوشائج، مرت العلاقات الأفغانية-الباكستانية بفترات من المد والجزر منذ تأسيس دولة باكستان 1948، وقد اتسمت علاقات البلدين بالفتور والتوتر طيلة الـ76 عاما الماضية.

 

 

 

 

وأساس هذا التوتر، هو معاهدة ديورند الموقعة بين ملك أفغانستان عبدالرحمن خان والمفوض البريطاني السير مورتيمر ديورند في 1883.

 

 

 

ذلك أن هذه المعاهدة تقتطع أجزاء كبيرة من أراضي أفغانستان في مناطق تقطنها قبائل من عرقية البشتون في الجنوب والجنوب الغربي لأفغانستان، وتم ضمها إلى مستعمرات بريطانيا في الهند، وهي تقع اليوم في إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان الباكستانيين.

 

 

 

 

 

اعترضت الحكومات الأفغانية المتعاقبة على معاهدة ديورند. وقبيل تقسيم الهند وتشكيل دولة باكستان التقى رئيس الوزراء الأفغاني الأسبق الأمير شاه محمود خان في 31 يوليو 1947 بوزير خارجية بريطانيا وأبلغه اعتراض أفغانستان على الترتيبات الحدودية الناتجة عن معاهدة ديورند.

وقد طالب شاه محمود خان بريطانيا بحل المشكلة قبل الرحيل عن شبه القارة الهندية.

 

 

 

 

 

 

 

 

العضوية الأممية

وكانت أفغانستان الدولة الوحيدة التي عارضت عضوية باكستان في منظمة الأمم المتحدة عام 1947.

 

 

 

 

وبعد إعلان تأسيس باكستان كدولة مستقلة، انعقد مجلس اللويا جيرغا الأفغاني (المجلس الوطني الكبير) في 26 يوليو/تموز 1949 في كابل وأيد موقف الحكومة الأفغانية الرافض لمعاهدة ديورند.

 

 

و كان الجديد في قرارات المجلس المطالبة بمنح حق تقرير المصير لمناطق يسكنها البشتون في الجانب الباكستاني من خط ديورند، وتشكيل دولة لهم باسم بشتونستان.

 

 

 

 

كان ذلك مؤشرا على مزيد من التوتر بين أفغانستان وجارتها الوليدة حينها باكستان التي ورثت عن الاستعمار البريطاني مشاكل حدودية على غرار العديد من مستعمرات المملكة المتحدة التي نشبت فيها نزاعات حدودية كانت سببا لصراعات وحروب.

 

 

 

قطع العلاقات وتدخل شاه إيران

شهدت العلاقات بين أفغانستان وباكستان مزيدا من التدهور في العامين 1950 و1951، إثر اعتقال السلطات الباكستانية عددا من قيادات البشتون والبلوش.

 

 

وقامت باكستان في تلك الفترة بمنع نقل البترول والبضائع التجارية إلى أفغانستان عبر أراضيها. ومثل ذلك ضرار كبيرا على أفغانستان لأنها دولة حبيسة لا منفذ لها إلى البحر.

 

 

 

ومع استمرار التوتر في العلاقات حصلت مناوشات عسكرية حدودية بين البلدين. وأعلنت باكستان قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أفغانستان في عام 1961، بقرار من الرئيس الباكستاني المشير محمد أيوب خان.

 

 

 

لكن الإمبراطور الإيراني حينها محمد رضا شاه بهلوي زار باكستان لأجل المصالحة بين البلدين وتمكن من إقناعهما باستئناف العلاقات الدبلوماسية في مارس/آذار 1963.

 

 

الانقلاب العسكري يعرقل التقارب

وبالرغم من التوتر في العلاقات مع الجارة باكستان، لم تحاول أفغانستان استغلال الفرصة لصالحها أثناء الحرب بين باكستان والهند في عامي 1965 و1971.

 

 

 

 

ويومها طمأن الملك الأفغاني محمد ظاهر شاه السلطات الباكستانية بأن بلاده لن تقف مع الهند في حربها ضد باكستان و لن تهاجم أراضيها من الحدود الغربية.

 

 

 

 

وقد ساعد هذا الموقف في تحسين العلاقات بين البلدين، ولكن مع وصول محمد داود خان إلى الحكم في أفغانستان إثر انقلاب عسكري في عام 1973 والإطاحة بالنظام الملكي، ساءت العلاقات مرة أخرى بين البلدين بسبب إثارة قضية بشتونستان من قبل كابل وإيوائها معارضين قوميين باكستانيين من البشتون والبلوش.

 

 

 

 

وفي المقابل، قامت الحكومة الباكستانية بزعامة ذوالفقار علي بوتو بدعم مجموعات أفغانية مسلحة من التيار الإسلامي الذي اضطهدته حكومة الرئيس محمد داود خان المدعومة من حزب الشعب الديمقراطي الماركسي.

 

 

 

 

وقد زار رئيس الوزراء الباكستاني ذوالفقار علي بوتو أفغانستان في 1976، وأجرى محادثات مع رئيسها محمد داود خان وحصل تحسن في العلاقات بين البلدين.

 

 

 

 

ولكن التوترات عادت لتهيمن على علاقات الجارتين بعد حدوث الانقلاب العسكري في باكستان بقيادة الجنرال ضياء الحق والإطاحة بحكومة بوتو في 5 يونيو 1977، ومن ثم إعدامه، وأيضا وقوع انقلاب عسكري في أفغانستان حيث أُطيح بداود خان وقتل في 27 أبريل 1988.

 

 

 

 

دعم باكستان للمجاهدين الأفغان

دعمت باكستان المجاهدين الأفغان في مواجهة الحكم الشيوعي والاحتلال العسكري السوفياتي في الثمانينيات من القرن الماضي واستقبلت الملايين من المهاجرين الأفغان على أراضيها، وتحملت بسبب ذلك أعباء كبيرة.

 

 

الدعم الباكستاني للمجاهدين و إيواء اللاجئين الأفغان، كان يتم بالتنسيق مع الدول الغربية و الولايات المتحدة الأميركية والصين والدول الإسلامية والعربية، لأن هؤلاء جميعا كانوا يرون في الشيوعية والاتحاد السوفياتي عدوا مشتركا يهدد مصالحهم إبان الحرب الباردة.

 

 

 

لقد قد كان المجاهدون الأفغان يدافعون عن بلادهم وقيمهم الدينية والوطنية ضد العدوان السوفياتي، وكانوا في الوقت نفسه وبصورة غير مباشرة يشكلون خط الدفاع عن باكستان في مواجهة أطماع الدب الأحمر وطموحاته التوسعية نحو المياه الدافئة في المحيط الهندي والخليج.

 

 

 

 

 

 

ويقال إن الرئيس الباكستاني الراحل الجنرال ضياء الحق كان يردد أن المجاهدين الأفغان “يقاتلون دفاعا عن باكستان”.

وكانت الأحزاب الدينية الباكستانية مثل الجماعة الإسلامية وجمعية العلماء ترفع الشعار الشهير في الثمانينيات من القرن المنصرم وهو “جهاد أفغانستان دفاع عن باكستان”.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

البحث عن العمق الإستراتيجي

وبعد انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان وسقوط النظام الشيوعي، استمر حضور باكستان في قضايا أفغانستان، وكانت أصابع الاتهام الأفغانية تشير إلى إسلام آباد بأنها تدعم بعض الفصائل الأفغانية ضد أخرى، بهدف قيام حكومة موالية لها في كابل لتأمين عمق إستراتيجي في مواجهة الهند.

 

 

 

 

وقد أشار قائد الجيش الباكستاني الأسبق الجنرال إشفاق كياني إلى رغبة بلاده في توفر عمق إستراتيجي لها في أفغانستان أثناء حديث له في عام 2010، ولكنه نفى أن يكون ذلك بمعنى السيطرة على أفغانستان”.

 

 

 

وقال كياني “نحن نريد أن يكون لنا عمق إستراتيجي في أفغانستان، ولكن هذا لا يعني السيطرة على أفغانستان. على مدار التاريخ لم يستطع أحد أن يخضع أفغانستان لسيطرته”.

 

 

 

إن سياسة البحث عن العمق الإستيراتيجي وما تبعها من مواقف، أثارت موجة من الاستياء في أفغانستان تجاه باكستان.

 

 

 

ويقول السفير الباكستاني الأسبق في كابل رستم شاه مهمند منتقدا سياسات بلاده تجاه أفغانستان “إن استمرار السياسات الباكستانية الخاطئة تجاه أفغانستان سيزيد من موجات الغضب والكراهية لدى الشعب الأفغاني ضدنا”.

 

 

 

 

ويطالب الباحث الباكستاني حسن عسكري صناع القرار في باكستان بتغيير “سياسة التحكم والسيطرة على أفغانستان”،  والنظر إليها ” كدولة جارة تشكل المصالح المشتركة أساس العلاقات معها”.

 

 

سياسة اللعب المزدوج

اعترفت باكستان بحكومة حركة طالبان الأولى ودعمتها ولكن عقب تفجيرات الـ11 من سبتمبر عام 2001، غير  الحاكم العسكري الباكستاني الجنرال برويز مشرف سياسة بلاده ودعم الغزو الأميركي لأفغانستان.

 

 

 

 

 

وسلمت باكستان للاستخبارات الأميركية العديد من قيادات حركة طالبان ومنهم السفير الأفغاني في إسلام آباد المولوي عبد السلام ضعيف.

 

 

و لكن بعد هدوء الغضب الأميركي سرعان ما عادت إسلام آباد إلى تبني “سياسة اللعب المزدوج في أفغانستان”، حسب تعبير الباحث في مركز كارينجي عقيل شاه، فمن جانب استمرت في توفير الدعم اللوجيستي للقوات الأميركية ومنحها استغلال القواعد الجوية الباكستانية، ومن طرف آخر استأنفت علاقاتها مع المعارضة المسلحة التي تقاتل حكومة كابل الموالية لأميركا.

 

 

 

وآوت باكستان قيادات في حركة طالبان، كما قال وزير الخارجية الباكستاني الأسبق سرتاج عزيز في تصريح سابق له في واشنطن.

و كان الممثل الأميركي الخاص لأفغانستان زلماي خليل زاد،  قال في تصريح له لإذاعة “صوت أميركا” إن واشنطن كانت تعرف سياسة اللعب المزدوج لباكستان في أفغانستان “ولكننا لم نفعل شيئا”.

 

 

 

 

 

 

 

 

توتر العلاقات مع حكومة طالبان

وبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان في نهاية أغسطس/آب 2021، وعودة حركة طالبان إلى الحكم، رحبت باكستان بذلك واعتبرته انتصارا لإستراتيجيتها في البلد الجار.

 

 

 

 

 

 

رئيس الوزراء الباكستاني حينها عمران خان وصف الحدث بأنه ” تكسير لأغلال الأسر من قبل الشعب الأفغاني”.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ولكن بعد مرور سنة تقريبا، تسرب الفتور إلى العلاقات بين إسلام آباد وكابل لأسباب أبرزها النشاط العسكري لحركة طالبان الباكستانية وهجماتها المتتالية التي تستهدف قوات الجيش والشرطة.

 

 

 

 

وبلغ التوتر ذروته بعد قرار باكستان الطرد القسري لمئات الآلاف من اللاجئين الأفغان. وتأزم الموقف أكثر عندما اتهمت باكستان السلطات الأفغانية بإيواء مسلحي حركة طالبان الباكستانية واستخدامها للأراضي الأفغانية لشن الهجمات المسلحة على باكستان، الأمر الذي تنكره كابل.

 

 

 

الخلاف الحدودي جوهر المشكلة

ثمة قضايا مهمة تؤثر على العلاقات بين باكستان وأفغانستان، ولكن جوهر المشكلة في العلاقات بين الدولتين يكمن في أن جميع الحكومات الأفغانية بغض النظر عن انتماءاتها السياسية والفكرية ترفض الطلب الباكستاني بخصوص الاعتراف بخط ديورند كحدود دولية رسمية بين البلدين.

 

 

 

 

 

وآخر تصريح في هذا الصدد جاء على لسان الملا نور الدين ترابي وهو وزير الحدود والقبائل في حكومة طالبان، حيث قال “لا توجد حدود رسمية لأفغانستان مع باكستان”.

 

 

 

 

وفي المقابل تعتبر باكستان قضية الحدود بين أفغانستان وباكستان منتهية. وقد أكد ذلك رئيس الوزراء الباكستاني المؤقت أنوار الحق كاكر أخيرا في مقابلة له مع شبكة “طلوع نيوز” الأفغانية حيث قال إن “خط ديورند هو الحدود الرسمية الدولية بين باكستان وأفغانستان، قضية الحدود مع أفغانستان بالنسبة لنا و جميع دول العالم منتهية”.

 

 

 

 

وقد سبق ذلك ضم إسلام آباد للمناطق القبلية الحدودية المتآخمة مع أفغانستان إلى إقليم خيبر بختونخوا في مايو/أيار 2018، لينتهى تمتع هذه المناطق بنوع من الحرية وعدم الخضوع للقوانين وسلطة الشرطة والقضاء الباكستانية.

 

 

 

مستقبل العلاقات بين البلدين

ويرى المراقبون أن إستراتيجية باكستان وسياساتها تجاه أفغانستان تتكون من مبدأين أساسيين وهما:

 

1 – رفض ادعاءات أفغانستان بخصوص الحدود، والإصرار على حصول اعتراف رسمي من كابل بأن خط ديورند هو الحدود الدولية بين الطرفين.

2- منع الهند من النفوذ والتغلغل في أفغانستان لأنها تشكل خطرا على أمن باكستان القومي.

 

 

 

وقد حاولت الهند خلال 20 سنة من الحرب الأميركية في أفغانستان أن تتوسع في بسط نفوذها في أفغانستان، ففتحت 4 قنصليات في مدن مختلفة من البلاد منها قندهار وجلال آباد القريبتين من الحدود الباكستانية.

 

 

 

 

وتتهم باكستان تلك القنصليات بالقيام بأعمال تجسس ضدها، خصوصا مع وجود أكثر من 4 آلاف عامل هندي في أفغانستان.

 

 

 

وبلغ حجم المساعدات والمشاريع الهندية في أفغانستان 2.1 مليار دولار أميركي، وجاءت الهند في المرتبة الخامسة بين الدول المانحة لأفغانستان، كما أن عدد الطلاب الأفغان الدارسين في الجامعات الهندية في عام 2022 تجاوز 13 ألف طالب و طالبة.

 

 

 

وحسب تقرير للبي بي سي،  فإنه خلال العقدين الماضيين درس أكثر من 60 ألف طالب أفغاني في الهند ورجعوا إلى بلادهم.

ولا شك أن هذا يثير القلق والمخاوف لدى باكستان.

 

 

 

وبناء على هذين الأصلين الإستراتيجيين تتشكل سياسات باكستان ومواقفها تجاه أفغانستان سواء على المستوى الإستراتيجي أو التكتيكي، بغض النظر عمن يمتلك مقاليد الحكم في كابل أو إسلام آباد