في ظل تصاعد التوتر بين ليبيا واليونان حول الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط، عادت الخلافات القديمة إلى الواجهة، مع إقدام أثينا مؤخراً على خطوة أحادية تمثلت في فتح الباب أمام الشركات الأجنبية للتنقيب عن النفط والغاز جنوب جزيرة كريت. هذه الخطوة أثارت ردود فعل ليبية غاضبة، حيث اعتبرت السلطات الليبية أن المناطق المعلن عنها ما تزال محل نزاع ولم يتم البت فيها بعد.
لماذا التصعيد اليوناني الآن؟
تساؤلات كثيرة تطرح حول توقيت هذه الخطوة اليونانية، خاصة في ظل علم أثينا المسبق بحساسيتها لدى ليبيا. بعض التحليلات تشير إلى عوامل جيوسياسية متشابكة، منها:
التطورات الإقليمية: قد تكون اليونان تحاول استغلال التغيرات في الشرق الأوسط بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية، بدعم من حلفاء أوروبيين لتعزيز موقفها في الصراع على موارد المتوسط.
المناورات التركية: تُعتبر العلاقات الليبية-التركية مصدر قلق لأثينا، خاصة مع تزايد التقارب بين أنقرة وشرق ليبيا (مجلس النواب والقيادة العسكرية)، مما قد يمهد للموافقة على مذكرة التفاهم البحرية الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق عام 2019، والتي تمنح ليبيا حقوقاً بحرية أوسع.
السباق على الغاز: مع اكتشاف احتياطيات هائلة من الغاز في شرق المتوسط (تقدر بـ 8 تريليونات متر مكعب)، تسعى اليونان لتأكيد سيطرتها على مناطق النفوذ قبل أي تسويات مستقبلية.
الرد الليبي: إجماع غربًا وشرقًا
على غير المتوقع، اجتمعت الحكومتان الليبيتان في طرابلس وبنغازي على رفض الخطوة اليونانية، وأعلنت ليبيا عن تعاونها مع شركات تركية لمسح مناطق بحرية أخرى، مما أثار حفيظة اليونان التي حذرت من “التوسع التركي”. يبدو أن أثينا لم تتوقع هذا الإجماع الليبي، مما دفع وزيرة خارجيتها إلى التوجه لليبيا في زيارة مفاجئة لاحتواء الأزمة عبر الدبلوماسية.
الأدوات اليونانية: بين العسكرة والدبلوماسية
استخدمت اليونان ورقة الهجرة غير الشرعة كذريعة لتحريك قطعها البحرية قرب المياه الليبية، في خطوة رأتها ليبيا استفزازية. لكن يبدو أن أثينا تدرك أن التصعيد العسكري قد يؤدي إلى مواجهة مع تركيا، التي أظهرت في السابق استعدادها للرد بقوة. لذلك، يعوِّل الجانب اليوناني على المفاوضات، خاصة مع خشيته من تحول الموقف الليبي لصالح أنقرة.
مصر.. اللاعب الخفي
لا يمكن إغفال دور القاهرة، التي تملك نفوذاً على شرق ليبيا وتقف على الحياد في الصراع التركي-اليوناني. رغم التحسن الأخير في العلاقات المصرية-التركية، فإن اليونان تحاول استمالة مصر عبر التأكيد على حقوقها البحرية المشتركة، في محاولة لعزل أنقرة.
خيارات متاحة.. وأسئلة معلقة
في ظل تعقيد الملف، تبقى الخيارات محدودة:
1التفاوض المباشر: قد يكون الحل الأمثل لتجنب تصعيد غير محسوب.
2التجميد المؤقت: إرجاء النزاع إلى حين استقرار الأوضاع في ليبيا والمنطقة.
3التصعيد المدعوم تركياً: إذا فشلت الدبلوماسية، قد يشهد المتوسط مناورات عسكرية واستثمارية مضطردة.
الزيارة اليونانية القادمة إلى ليبيا ستكشف نوايا الطرفين، لكنها تظل محطة في صراع أوسع يتجاوز الحدود البحرية إلى صراع نفوذ بين تحالفات إقليمية ودولية. السؤال الأكبر: هل تنجح الدبلوماسية في تهدئة الأوضاع، أم أن المتوسط على وشك موجة جديدة من التوتر؟