انعقد، أمس الإثنين بمدينة ليفربول، على هامش المؤتمر السنوي لحزب العمال الذي يقود الحكومة البريطانية، لقاء رفيع المستوى خصص لتسليط الضوء على علاقات الشراكة الاستراتيجية القائمة بين المغرب والمملكة المتحدة، واستعراض آفاقها الواسعة.
وشارك في هذا اللقاء، الذي جرى بحضور سفير المغرب بالمملكة المتحدة، حكيم حجوي، وسفراء عدد من البلدان الشقيقة والصديقة، ثلة من الشخصيات المرموقة التي أشادت بما حققه المغرب من خطوات كبرى على درب التنمية تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وأكد المتدخلون أن المغرب نجح في ترسيخ نموذجه التنموي على أسس صلبة، جعلت منه شريكا موثوقا وقوة دافعة للاستقرار والتقدم في المنطقة، بل وعلى مستوى القارة الإفريقية ككل.
وفي كلمة بهذه المناسبة، أبرز المبعوث التجاري لرئيس الوزراء البريطاني لدى المغرب وغرب إفريقيا، بن كولمان، أن سنة 2025 شكلت “لحظة تاريخية” في مسار العلاقات بين المملكتين، التي تمتد جذورها الدبلوماسية لأكثر من ثمانية قرون، وذلك من خلال انعقاد الدورة الخامسة للحوار الاستراتيجي الثنائي في يونيو الماضي بالرباط.
واعتبر أن الأمر يتعلق بـ”محطة جديدة تعكس تعميق شراكتنا الثنائية وتقارب رؤيتنا الاستراتيجية المشتركة”.
وأوضح السيد كولمان، الذي كان ضمن الوفد البريطاني الذي ترأسه وزير الخارجية الأسبق ديفيد لامي خلال أعمال الدورة الخامسة للحوار الاستراتيجي، أنه وجد في المغرب “بلدا مفعما بالطموح والحيوية، تحذوه إرادة قوية لتعزيز علاقاته مع المملكة المتحدة بشكل أكبر”.
وأعرب عن ارتياحه لكون المغرب يعتبر بريطانيا “ليس فقط شريكا تجاريا، بل حليفا طويل الأمد”، مذكرا بتعدد مجالات التعاون بين البلدين، ولاسيما مشاريع البنيات التحتية الكبرى الجارية بالمغرب. كما اعتبر أن تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030، التي سيستضيفها المغرب إلى جانب إسبانيا والبرتغال، يمثل فرصة كبيرة لتعميق الشراكة المغربية البريطانية.
وأكد السيد كولمان أن المغرب “يعد شريكا محوريا ضمن الاستراتيجية التجارية العالمية الجديدة للمملكة المتحدة، بالنظر إلى مكانته كسوق رئيسية وبوابة نحو القارة الإفريقية”، مضيفا أن المغرب يوفر ما ترتكز عليه هذه الاستراتيجية: اقتصادا مستقرا، وموقعا جيوستراتيجيا متميزا، وروابط إقليمية قوية، ورؤية لتحقيق نمو مستدام وشامل.
وأضاف المبعوث التجاري لرئيس الوزراء البريطاني أن المغرب “يعد رائدا قاريا في مجال التنمية المستدامة”، بفضل ما يزخر به من إمكانات كبرى في مجال الطاقات النظيفة، سواء الشمسية أو الريحية أو الهيدروجين الأخضر.
كما أشار إلى أن من بين أبرز عوامل قوة المغرب نموه المتسارع في التجارة الرقمية، ووجود منظومة واعدة للتكنولوجيا المالية تشهد توسعا متزايدا، بما يفتح آفاقا جذابة أمام الشركات التكنولوجية البريطانية، فضلا عن الإمكانات الكبيرة التي يتيحها في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم.
من جانبه، أكد جو باول، العضو العمالي بمجلس العموم البريطاني ورئيس مجموعة “أصدقاء المغرب في حزب العمال البريطاني”، أن المغرب “ليس فقط اقتصادا ديناميا يسجل نموا قويا، بل هو أيضا شريك رئيسي للمملكة المتحدة في عدة مجالات”.
وأبرز السيد باول، وهو أيضا نائب رئيس المجموعة البرلمانية متعددة الأحزاب المخصصة للمغرب ببرلمان وستمنستر، أن السنوات الأخيرة “عرفت زخما متزايدا في مسار تعميق العلاقات بين البلدين”، مضيفا أن سنة 2025 رسخت هذا المنحى الاستراتيجي، في ما يشكل “منعطفا حاسما” في مسار التعاون الثنائي، ويفتح آفاقا أرحب للشراكة في مجالات الطاقة المتجددة والبنيات التحتية والتعليم والدفاع.
واستحضر النائب العمالي القرار الهام الذي أعلنته المملكة المتحدة خلال زيارة وزير الخارجية السابق ديفيد لامي إلى المغرب في يونيو الماضي، والقاضي بتأييد مخطط الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية للمملكة، باعتباره الأساس الأكثر مصداقية وواقعية وبراغماتية لحل النزاع حول الوحدة الترابية للمغرب.
كما أشاد بإسهام الجالية المغربية المقيمة في المملكة المتحدة في الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، معلنا عن إطلاق منتدى جديد يهدف إلى تعزيز مساهمتها في توطيد العلاقات بين البلدين.
ومن جانبه، اعتبر السفير السابق للمملكة المتحدة بالمغرب، توماس رايلي، أن العلاقات بين لندن والرباط “أصبحت اليوم أكثر متانة من أي وقت مضى” بفضل الاتفاقيات التي وقعت سنة 2025، مؤكدا أن هذه الاتفاقيات تشكل “فرصة استثمارية هائلة في الاتجاهين، وفي مختلف القطاعات”.
وأشار السيد رايلي إلى أن إمكانات النمو والاستثمار تبدو أوسع بكثير في المغرب، مبرزا المنحى التصاعدي الذي طبع المبادلات التجارية والسياحية بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، والتي قال إنها مرشحة للارتفاع أكثر في المستقبل.
وأكد الدبلوماسي السابق أن “الاستثمار في المغرب يتيح آفاقا أرحب للنمو، ليس فقط داخل المملكة، بل انطلاقا منها نحو باقي بلدان القارة الإفريقية”، مشددا على أن المغرب يوفر مستوى عاليا من الاستقرار السياسي والاقتصادي، إلى جانب إمكانات نمو كبرى مقارنة بدول أخرى في المنطقة.
ونوه السيد رايلي بالمسار التحويلي الذي تعرفه المملكة تحت قيادة جلالة الملك، مبرزا أن تنظيم كأس العالم 2030 يشكل فرصة إضافية لتعزيز علاقات التعاون بين المغرب والمملكة المتحدة في طيف واسع من المجالات.
وأضاف “لقد حان الوقت لمضاعفة جهودنا من أجل تجسيد ثمانية قرون من العلاقات الدبلوماسية، والارتقاء بها إلى مستوى أعلى”، مبرزا في السياق ذاته الدور المحوري الذي يضطلع به المغرب كقوة للاستقرار الإقليمي.
وخلال هذا اللقاء، الذي عرف مشاركة عدد من رجال الأعمال والسياسيين والأكاديميين، تعاقب المتدخلون على إبراز ما حققه المغرب، تحت قيادة جلالة الملك، من منجزات نوعية جعلته يتموقع كشريك مفضل للقوى العالمية الكبرى.
كما أبرزوا المكانة التي يحظى بها المغرب كفاعل يحظى بالثقة والتقدير، يسخر قوته الاقتصادية بشكل مسؤول لدعم الازدهار الإقليمي، وهو ما تجسده بوضوح المبادرة الملكية الأطلسية.
وأشاد المتدخلون، كذلك، بنجاعة تنظيم هذا اللقاء الرفيع، بالتوازي مع المؤتمر السنوي لحزب العمال، بما أتاح للبرلمانيين وصناع القرار والمناضلين داخل الحزب فرصة الوقوف على حجم التقدم الذي أحرزته الشراكة المغربية البريطانية، وعلى مسار التحول الذي يعرفه المغرب كنموذج للصمود والإصلاح والنمو في إفريقيا.
وقد شارك وفد برلماني مغربي، حضر إلى ليفربول للمشاركة في المؤتمر السنوي لحزب العمال، في أشغال هذا اللقاء المنظم من طرف مجلس الشرق الأوسط العمالي ومجموعة “أصدقاء المغرب في حزب العمال البريطاني”، بتعاون مع سفارة المغرب بالمملكة المتحدة.
ويأتي هذا اللقاء في سياق الدينامية التي أطلقها إنشاء مجموعة “أصدقاء المغرب في حزب العمال” السنة الماضية، بهدف الإسهام في توطيد العلاقات بين المغرب والحزب الحاكم بالمملكة المتحدة، وإرساء شراكات مستدامة قائمة على القيم المشتركة والتعاون الفعال.
ويعكس هذا اللقاء، الأول من نوعه بالنسبة للمغرب داخل المؤتمر السياسي لحزب العمال، حضورا وازنا ورسالة قوية تأتي في أعقاب الدورة الخامسة للحوار الاستراتيجي بين المغرب والمملكة المتحدة، التي انعقدت في يونيو الماضي.