جريدة

محمد أشلواح يكتب: خسارة ‘زفيزف’ في انتخابات ‘اللجنة التنفيذية ب’الكاف’ تكشف عورة ‘التبون’ وتعري حقيقة”القوة الضاربة”!!

استقالة رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم “جهيد زفيزف”، لا يمكن تصوره عملا ديمقراطيا لكون ممثل النظام الجزائري خسر انتخابات اللجنة التنفيذية، فهذا ليس من ثقافة الكبرانات، بل هو “قرار” أُجبِر عليه هذا الشخص، الذي سيكون مصيره، دون شك، جحيم أعده له “الكبرانات”.
فمهما حاول “النظام” الجزائري التغطية على واقعة الإذلال، التي تعرض لها إفريقيا على مستوى “الكاف”، ومهما عمل من أجل تحويل أنظار الجزائريين عن هذه الهزيمة النكراء التي كشفت عورته، فلن ينجح في ذلك.
فحركة من هذا القبيل لا يمكنها أن تغير شيئا في جوهر ما يقوم عليه النظام الجزائري، وفي كيفية تدبيره للشأن الجزائري داخليا وعلى المستوى الدولي، فإقالة “زفيزف”(وحتى إدخاله السجن أو حتى قطع رأسه!)لن تفضي إلى تبدل “المنهج” العبثي الذي يحكم “دبلوماسية” النظام في الجزائر ولن تضع حدا للفوضى التي تسِمُ وبشكل بنيوي سلوك ذات النظام على الصعيد الخارجي.

إن “دبلوماسية” “النظام” الجزائري تشتغل حقيقة بشكل عشوائي، سواء في تفاعلها مع الأحداث الدولية أو في ما يجري في المحيط الإقليمي..، ويظهر ذلك،جليا، من خلال ما تقوم به في علاقاتها الثنائية، أو في إطار التنظيمات الدولية والجهوية، لذلك تكون النتيجة الفشل والانهزام وبالتالي الانتكاسة.
هذه الفرضية تؤكدها العديد من التراكمات التي سُجِّلت في سجل التحركات الخارجية للنظام الجزائري، خاصة في السنوات الأخيرة.

فعلى صعيد محاولات لعب دور الوسيط لتسوية بعض النزاعات، باءت “دبلوماسية” “النظام” الجزائري بالفشل في التدخل لحل نزاع “نهر النيل”، وذلك بعد انحيازها إلى جانب طرف في النزاع على حساب أطراف آخرون، كما أنها رُفٍضت من الأطراف الليبية، ولم تكن مرحبا بها، للقيام بأي دور في الصراع الليبي-الليبي، و ذلك وعيا منهم(الليبيون) بأن تدخل “النظام” الجزائري في الشأن الليبي لن يزيد سوى الطين بلة في البلاد. أما الأزمة “المالية” فبدت فيه الجزائر قزما صغيرا ولم يتجاوز مهام “النظام” الجزائري فيها دور “الوسيطة” لخروج فرنسا ودخول روسيا- في شخص “فاغنر”- إلى الأراضي المالية!.
أما وَضع النظام الجزائري لِيَده في الشأن التونسي فقد فاقم الأوضاع السياسية المعقدة في تونس، خاصة حين بدا “قيس سعيد” وكأنه دمية في يد “شنقريحة”، حيث ضحى بعلاقاته مع الجيران خدمة لمآرب الكابرانات، وقد كان ذلك جليا بعد استقباله “قائد” البوليساريو، مقابل 300 مليار، وهذا تم طبعا على حساب “أنف” وكرامة التونسيون وعدم رضاهم!.

في إطار الجامعة العربية فشلت “دبلوماسية” “النظام” الجزائري في “لَمِّ شمل العرب”، وهو في الحقيقة شعار لم يكن يصدقه حتى السيد “التبون” نفسه، فكيف لنظام يقطع علاقته مع فاعل رئيسي (المغرب) في “النظام العربي” ويسعى بكل تحركاته السياسية والاقتصادية والدبلوماسية على الصعيد الخارجي المساس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية، أن يَلمّ الشمل العربي في ظل وضعية متشردمة ساهم هو بنفسه في خلقها وتفاقمها!! .

كان واضحا مدى الرد الذي تلقاه “النظام” الجزائري في “قمة” الجامعة العربية(التي نظمت بالجزائر)، حيث لم يحضر لها معظم القادة العرب، فكانت حقيقة انتكاسة كبيرة وضعت الجزائر، في موقعها وحجمها الحقيقي، كعنصر ثانوي غير مؤثر ولا تأبه القوى العربية لترهاته بخصوص شؤون المنطقة! .

حين عاد المغرب لمكانه الطبيعي بمنظمة “الاتحاد الإفريقي” شُلَّت “دبلوماسية”النظام الجزائري في إطار هذه التنظيم الافريقي بشكل كبير، ف”قوة” ذات النظام كانت، أصلا، تحدث بسبب سياسة الكرسي الفارغ التي نهجها المغرب لسنوات، كما أن إمكانية حشد الدعم لصالح البوليساريو في الاتحاد الافريقي أضحى دون معنى، وذلك في ظل وَضْعِ أصبح فيه ملف الصحراء يناقَش حصرا في منظمة الأمم المتحدة.

الضربة القاصمة التي تلقاها النظام الجزائري، هذه المرة، والمتمثلة في السقوط المدوي لرئيس اتحادية الجزائر لكرة القدم في انتخابات اللجنة التنفيذية ل”الكاف”، بعد حصول “جهيد زفيزف”على 15عشرة صوتا مقابل 38 صوتا لصالح ممثل ليبيا (عبد الحكيم الشلماني)، بعد التنافس على المقعد المخصص لمنطقةشمال إفريقيا، تبين أن هناك نكسة حقيقية وانهيار واضح في منظومة النظام الجزائري وهو ما تؤكده ملاحظتين في غاية الأهمية:

الملاحظة الأولى: أن هذه الانتخابات كشفت بشكل ملموس عن الحجم الحقيقي للجزائر، فهي التي كانت تعتقد نفسها “قوة” إقليمية في إفريقيا والحقيقة ظَهَرَت كقزم سياسي، لا وزن له لا إقليميا ولا دوليا، فمحاولات التسويق كَون الجزائر لها مكانة مهمة باءت بالفشل، ووَهْم الفاعل الإقليمي الإفريقي بات محطما، و أي تأثير يعتقد الكابرانات أنهم يمارسونه إفريقيا لم يعد له وجود وانتهى. فلو كان لهذا “النظام” تقديرا ومكانة محترمة لدى الفاعلين في القارة الإفريقية لكان صانعوا القرار السياسي في “الكاف” قد “قدَّروا” طموح “قادة” “النظام” الجزائري ودعموا نجاح “زفيزف” في اللجنة التنفيذية للإتحاد الافريقي لكرة القدم.

عكس ذلك هو ما حصل ، فذهاب أصوات الأفارقة بشكل كاسح نحو المرشح الليبي دليل قاطع على أن هناك امتعاض الدول الافريقية من “النظام” في الجزائر، وكذلك دليل على أن هناك تغيير جذري في تعاطي الأفارقة مع النظام الجزائري، فلم يعد هنالك قبولا لسلوك “البترو دولار”- الذي كان ينهجه النظام الجزائري تجاههم في السابق- فهو سلوك مُدان لكونه ينتقص من كرامتهم، فالجيل الجديد من الحاكمين الأفارقة يريد، ودون هوادة، القطع والحسم مع هذا النمط، الرجعي، من التفاعل الجزائري الافريقي بشكل نهائي ودون رجعة، وبالمقابل تكريس الانتقال نحو العمل وفق توجهاتٍ معقولة تقوم على ثقافة التقدير والاحترام المتبادل وعلى أساس مبدأ رابح- رابح وهي السياسة التي يقودها ويتبناها المغرب ويعمل على تفعيلها بكل اقتدار في علاقته مع اشقائه في القارة الافريقية.

الملاحظة الثانية: إن عدم التصويت على ممثل النظام الجزائري في “الكاف” يُبرز بوضوح عدم حِنكة “دبلوماسية” النظام الجزائري، فلو كانت تتمتع بكفاءة دبلوماسية وحسٍّ استراتيجي لكانت قد اقنعَت الدول المشاركة في انتخابات اللجنة التنفيذية “للكاف” بالتصويت لصالحها، أو على الأقل-إن لم تقدر على ذلك- الانتباه إلى ضرورة الانسحاب-للحفاظ على ماء الوجه- فلا هذا ولا ذاك تفطَّنت إليه ذات “الدبلوماسية”، مما وضعها في حرج وفي موقف إذلال لم يسبق له مثيل أمام أنظار العالم والرأي العام الافريقي، و كذا الجزائري!
هذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أن المخابرات الجزائرية، وكذا متخذي القرار في البلاد، لم يدركوا بعد موقع الجزائر الراهن في السياق الاقليمي والدولي، ولم يستوعبوا بأن بيع الوهم للجزائرين انكشف، و أن وضعية “النظام” في الجزائر في موقف صعب أمام الداخل والخارج.
الرياضة(كرة القدم..) جزء من الشأن العام في البلاد، و الذي “يديره” “نظام” فاسد بواسطة جنرالات جشعين متخلفين وجاهلين، فالعقلية التي تحكم كرة القدم هي نفسها التي تحكم الاقتصاد والسياسة والمال وقطاع الطاقة..والأعمال والعلاقات الخارجية، وتُنظِّر لوجود البوليساريو وتصرف عليها أموال الشعب الجزائري..إنها “العقلية” الفاسدة الفاشلة التي ستجر الجزائر إلى مزيد من الانهيار ومن المتوقع أن تدخل الجزائر، بسياستها الفاشلة، في اضطرابات غير مسبوقة ستعرفها البلاد مستقبلا.

لقد كان النظام الجزائري يمني النفس من أجل فوز “زفيزيف” بمقعد في لجنة “الكاف” للتأثير في صياغة القرار بخصوص الشأن “الكروي” الافريقي، أملا في الحصول على مكاسب تنفعه، في اتجاه توظيف الرياضة(كرة القدم) في السياسة، عبر إلهاء ما أمكن الجزائريين عن ما يقع في البلاد (وهي للأسف حيلة”سياسية” عتيقة)، لكن بهذا الفشل الذريع، في الحصول على مقعد ضمن “الكاف”، يكون النظام الجزائري قد حرق ورقة لطالما استغلها في علاقته بالتطورات في البلاد، وهكذا يكون قد عرف نكسة كبيرة أبانت حقيقة ترهله وما يعانيه من مشاكل في التدبير داخليا وعلى الصعيد الدولي.

محمد أشلواح: أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بالرباط.