تسم الدورة الثانية من السنة التشريعية 2023-2024 التي ستفتتح غدا الجمعة، رهانات وأوراش عديدة على رأسها إقرار مدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية، وذلك تفعيلا للتوجيهات الملكية السامية الواردة في الرسالة التي وجهها جلالة الملك محمد السادس إلى البرلمان بمناسبة تخليد الذكرى الستين لقيامه.
ودعا صاحب الجلالة في هذه الرسالة إلى “تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم، وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية”.
كما أكد جلالته على ضرورة تغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين على غيرها من الحسابات الحزبية والرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة، وتعزيز ولوج النساء والشباب بشكل أكبر إلى المؤسسات التمثيلية، باعتبارها من أبرز تحديات تجويد العمل البرلماني.
وانكبت مكونات مجلسي النواب والمستشارين خلال الفترة الفاصلة بين دورتي البرلمان، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، على إعداد وصياغة المدونة لإخراجها في أقرب الآجال إلى حيز الوجود بالنظر الى استعجاليتها وأهميتها في الارتقاء بالممارسة البرلمانية وتعزيز أدائها.
وأكد رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، أن جميع مكونات المجلس “معبأة من أجل تنفيذ ما ورد في الرسالة الملكية السامية في شأن تخليق العمل البرلماني والسمو به وتجويده، ترسيخا للنضج الذي حققه العمل البرلماني، وارتقاء بديموقراطية المؤسسات التمثيلية”.
وشدد الطالبي العلمي، في الكلمة التي ألقاها في ختام الدورة الأولى من السنة التشريعية الحالية، على حرص مكتب مجلس النواب وبمعية رؤساء الفرق والمجموعة النيابية، على فتح ورش مدونة الأخلاقيات البرلمانية “لتكون في مستوى تطلعات جلالة الملك في ما يرجع إلى مواصلة تخليق الممارسة البرلمانية، وإيثار الصالح العام، ولتكون من أرقى مدونات الأخلاق والسلوك المعتمدة في البرلمانات الوطنية، ولتل ق ى الصد ى الإيجابي لدى الرأي العام”.
وأوضح السيد الطالبي العلمي أن المقتضيات الجديدة تهدف إلى ضبط عدد من الممارسات والحالات، من خلال سمو الالتزام بواجب خدمة الصالح العام، وإعطاء القدوة في السلوك والممارسة السياسية، وأداء الواجب بالحضور المنتج الإيجابي، معتبرا أن ذلك “سيساهم في نشر قيم الديموقراطية وترسيخ دولة القانون وتكريس ثقافة الحوار وتعزيز الثقة في المؤسسات، كما أكد على ذلك صاحب الجلالة”.
نفس روح الجدية تطبع عمل مجلس المستشارين، حيث أكد رئيس المجلس، النعم ميارة، أن هذا الأخير “منكب على دراسة القضايا والإشكالات المرتبطة بتحديد مواضيع هذه المدونة، ومرجعياتها المحورية، والطريقة المثلى لاعتمادها، وذلك في إطار التنسيق الواجب مع مجلس النواب”.
وأبرز السيد ميارة أن مجلس المستشارين، بكافة أجهزته ومكوناته السياسية والنقابية والمهنية، “م درك تمام الإدراك للأهمية القصوى التي تكتسيها مدونة الأخلاقيات، في مسلسل تطوير أداء المؤسسة التشريعية، وتعزيز وترسيخ قيم النزاهة والشفافية”.
وفي هذا السياق، أكد مكتب المجلس، في بلاغ له، على الغايات التي تخدمها المدونة والمتمثلة في “تعزيز وترسيخ قيم النزاهة والشفافية والحد من تضارب المصالح، والسمو بالسلوك البرلماني، باعتباره صادرا عن ممثلي الأمة”، مشددا على “مواكبة المجلس من موقعه الدستوري ومن منطلق اختصاصاته التشريعية والرقابية والتقييمية، للأوراش الإصلاحية الكبرى والمشاريع المهيكلة التي يقودها جلالة الملك “.
وبخصوص النقاش السياسي والقانوني الدائر حول مدونة الأخلاقيات البرلمانية، اعتبر أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس عبد الحفيظ أدمينو، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المهم في هذا النقاش هو ارتباطه بسياقين؛ يتعلق الأول بتنزيل الرسالة الملكية من أجل جعل القواعد الأخلاقية قواعد قانونية ملزمة وفي درجة النصوص القانونية الأخرى.
أما السياق الثاني فذو صلة بـ”المتابعات في حق مجموعة من البرلمانيين، سواء ما يتعلق بالجرائم المتعلقة بالحق العام، التي يتحمل البرلماني فيها مسؤوليته المدنية والجنائية وفق القواعد القانونية الجاري بها العمل، أو ما يتعلق بالمتابعات التي خضع لها البرلمانيون علاقة بالمال العام خاصة ما يرتبط بمسؤوليتهم على مستوى الانتدابات الأخرى، لاسيما في المجالس المنتخبة”.
ولاحظ الأستاذ الجامعي أن هذه المتابعات القضائية “بينت أنه لا بد من اعتماد بعض القواعد والآليات التي يمكن خلالها تقليص التأثير على المؤسسة البرلمانية”، معتبرا أن “متابعة برلماني وتورطه في جرائم أو مخالفات مالية لا يسائل فقط صورة البرلماني ولكن صورة المؤسسة والنخب البرلمانية”.
وخلص إلى القول: “إن مسلسل تخليق الممارسة البرلمانية مرتبط أساسا بمنظور شمولي لإصلاح وتخليق الممارسة السياسية والثقة في العملية السياسية”، منوها إلى أن “هناك مجهودا كبيرا ي بذل لتقوية الجانب القانوني والتشريعي الذي يضمن أساسا ممارسة نيابية طبقا للقواعد القانونية والضمانات التي يوفرها النظامان الداخليان للمؤسسة التشريعية فيما يتعلق بالسلوك المثالي للبرلماني”.