جريدة

مستشفى محمد الخامس تاريخ في التصدي للأوبئة الفتاكة

ميديا أونكيت 24 مصطفى القرفي

مستشفى محمد الخامس …تاريخ في التصدي للأوبئة الفتاكة

يشعر الإنسان وهو يقف أمام الواجهة الرئيسية لمستشفى محمد الخامس القديم بحي القلعة ، أنه أمام بناية لحد الآن لم يتم استنطاقها تاريخيا، لتبوح ببعض مما تختزنه في مسيرتها التي امتدت من 1916 إلى غاية 2013 على قرن من الزمان ، من تفان في التصدي للأوبئة الفتاكة التي عاشتها الجديدة ومناطق عديدة من بلادنا خاصة في الفترة بين 1912 و 1945
ففي مغرب سادت فيه ثقافة طبية تقليدية لها طقوسها الغيبية، عرفت الجديدة أوبئة خطيرة وفتاكة منها الطاعون والجذري والجذام وحمى المستنقعات والزهري والكوليرا التي جاءتنا من الجزائر وكان يطلق عليها المغاربة بوكليب الكحل ، وأخطر الأوبئة التي نكلت بالناس يبقى هو التيفوس أو التيفوئيد أو كما يسميه الأهالي التوفيس ، والذي ازدادت شراسته ارتباطا بالمجاعات التي عرفها المغرب ، درجة أن المختار السوسي ذكر أن الجديدة ودكالة ، كانت من المناطق التي عانت من سطوته ، وأن الناس كانوا يموتون صرعى على قارعة الطريق
وسط هذا التحالف القوي لأوبئة فتاكة يولد مستشفى محمد الخامس سنة 1916 كأول مستشفى عصري ببلادنا
في هذا الصباح وأنا أمام واجهته التاريخية التي كان يطلق عليها سكان الجديدة نميرو خمسة ، استرجعت مجموعة من الأسماء الكثيرة ،التي كانت في الصفوف الأمامية للتصدي لتلك الأوبئة التي لا ترحم ، تذكرت مدام دولانوي أول مديرة للمستشفى ، وبعدها موسيو كاربون، وتذكرت كذلك فريق الجراحة الذي كان مكونا من الطبيبين الفرنسيين أملان وفيسيني، والطاقم التمريضي الذي كان يساعدهما وضمنه الحاج الساكت ودريدو وزوجته الزوهرة وامحمد زنات. وبا القرقاشي
وفي قسم التوليد فاطمة الشبوبي وفاطمة السملالي وحبيبة المعيزي
واسترجعت منظومة نظام فريد من نوعه على رأسها الحاج التباري الحارس العام وغيره من الأطر
كان المستشفى يستقبل أطباء زائرين ومنهم فيتاتاستوفا طبيبة عيون كانت تأتي من البيضاء ، في وقت كان فيه عدد أطباء القطاع الخاص محدودا جدا ومنهم أوغانيم قرب سينما ديفور وفولفانسكي طبيب أمراض الرأس وأرجيلاتوس بشارع الحسن الثاني
وكان التيفوس والسل والزكام الإسباني أهم الأوبئة التي قلص مستشفى محمد الخامس من شراستها
وبرغم ذلك كان القمل في مغرب الحماية ناقلا للعدوى ، وكان الناس يموتون بالجملة ويدفنون بالجملة في حفر عميقة
وفي 2014 كانت جرافة بصدد تهيئة إحدى التجزئات بطريق البيضاء ، فكشفت عن جماجم وهياكل عظمية ، وأثار ذلك شكوكا من منظمات حقوقية في أن تكون مرتبطة بإبادة جماعية في سنوات الرصاص، قبل أن يسفر البحث أنها مقبرة جماعية لضحايا الطاعون والتيفوس الذي عرفته الجديدة في مغرب الحماية وأساسا سنة 1937 التي عرفت بمجاعة حادة
صراحة كنت اليوم أمام بناية عظيمة أسدت خدمات جليلة لدكالة في فترة الحماية وحتى بعد الاستقلال ، وكانت ذلك الصرح الذي تحطمت عليه أوبئة كثيرة