جريدة

 مشروع الجزائر وموريتانيا طموحات اقتصادية تتعثر أمام الواقع

ميديا أونكيت 24

في ظل الخطابات الرسمية المتكررة التي تؤكد رغبة الجزائر في تعزيز حضورها الاقتصادي في إفريقيا، خاصة عبر موريتانيا كبوابة نحو الساحل وغرب القارة، تبرز معطيات ميدانية تكشف فجوة كبيرة بين الطموحات والواقع. فالمبادرات الجزائرية تواجه تحديات بنيوية وإدارية أعاقت تحولها إلى مشاريع ملموسة، في حين يبدو المغرب أكثر تقدماً في ترسيخ نفوذه الاقتصادي بنواكشوط.

كان من المفترض أن يشكل المعبر الحدودي بين تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية أحد ركائز الاندماج الاقتصادي بين البلدين، لكنه ظل شبه معطل بسبب غياب التنسيق اللوجستي والإداري. وعلى الرغم من الامتداد الجغرافي لهذا المحور (نحو 700 كيلومتر)، فإن تأثيره الاقتصادي ظل محدوداً، مما يعكس عجزاً جزائرياً في تحويل المشاريع الطموحة إلى وقائع ملموسة.

لم تقتصر المشاكل على الجانب التنظيمي، بل امتدت إلى غياب الدعم الفعلي للشركات الجزائرية التي حاولت اختراق السوق الموريتانية. شركات مثل “تاست بارادايس” و”مارين فيش” و”بوشقوف قالمة” وجدت نفسها أمام عقبات إدارية متكررة، وضعف في التمثيل الدبلوماسي والاقتصادي الجزائري في نواكشوط. وقد تقدمت هذه الشركات بشكاوى رسمية إلى وزارة التجارة الجزائرية، مشيرة إلى غياب آليات المواكبة وضبابية الإجراءات، مما أفقدها فرصاً مهمة في سوق تحتاج إلى ديناميكية استثمارية حقيقية.

في المقابل، عزز المغرب حضوره الاقتصادي في موريتانيا عبر استراتيجية تعتمد على الشراكة المباشرة مع القطاع الخاص وتراكم الخبرة عبر عقود. شبكة الشركات المغربية الراسخة في نواكشوط، بالإضافة إلى العلاقات التجارية الممتدة، منحته موقعاً متقدماً في سباق النفوذ الاقتصادي، مستفيداً من مرونة السياسات وبناء الثقة مع الجانب الموريتاني.

تكشف المعضلة الجزائرية عن أزمة هيكلية في النموذج الاقتصادي الذي تهيمن عليه الدولة، مع غياب شبه كامل للحوافز التي تشجع القطاع الخاص. بينما يعتمد المغرب على سياسات ذكية وشراكات مؤسساتية، لا تزال الجزائر تعاني من بيروقراطية متصلبة وضعف الرؤية الاستراتيجية، مما يجعلها غير قادرة على منافسة جيرانها في السوق الإفريقية.

يضاف إلى ذلك تأخر الجزائر في فهم التعقيدات السياسية والاقتصادية الموريتانية، حيث بدت مبادراتها أقرب إلى الحملات الدعائية منها إلى المشاريع الاستثمارية الجادة. وفي غياب آليات تنفيذية فعالة أو شبكات تأثير محلية، تحول الحلم الجزائري إلى صدى بلا تأثير على الأرض.

بينما تسعى نواكشوط إلى تنويع شركائها الاقتصاديين، يظل المغرب الخيار الأكثر جاذبية بفضل خبرته ومصداقيته. أما الجزائر، فستظل طموحاتها معلقة ما لم تعالج إشكالياتها الداخلية، وتتحول من خطابات التوسع إلى بناء شراكات حقيقية تقوم على الثقة والكفاءة. فالنفوذ لا يُبنى بالخطابات، بل بالاستثمار الطويل الأمد والمرونة في التعامل مع متطلبات الأسواق الناشئة.