جريدة

مصير غامض لصحافيين ومؤسسات إعلامية سورية

ميديا أونكيت 24

ليل السابع من ديسمبر/كانون الأول الماضي لم يكن عادياً بالنسبة لوسائل الإعلام التي كانت تعمل في ظل نظام بشار الأسد، فالإذاعات الخاصة والصحف والقنوات التلفزيونية التي كانت تنقل أخبار المعارك التي يتناوب على إقرارها كل من وزارة الدفاع والمكتب الإعلامي في القصر الجمهوري باتت أمام مأزق كبير بدخول قوات إدارة العمليات العسكرية إلى العاصمة دمشق.

في 8 ديسمبر، بسطت فصائل سورية سيطرتها على العاصمة دمشق وقبلها على مدن أخرى، منهيةً بذلك 61 عاماً من نظام حزب البعث الدموي، و53 سنة من حكم عائلة الأسد. وفي اليوم التالي، أعلن قائدة الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، تكليف محمد البشير، رئيس الحكومة التي كانت تدير إدلب (شمال غرب) منذ سنوات، بتشكيل حكومة جديدة لإدارة مرحلة انتقالية في البلاد. وإن كان “التكويع”، وهو مصطلح أطلق على كل من أعلن تبديل موقفه تلك الليلة أو صبيحة اليوم التالي، مقبولاً ربما من الأفراد، إلّا أن الجمهور لم يقبله من وسائل الإعلام التي تبث أو تصدر من مناطق سيطرة الأسد سابقاً.

توقف عن العمل
صبيحة فرار الأسد وعائلته إلى روسيا، توقفت الإذاعات التي تتخذ من دمشق وحلب مقراً أساسياً لاستديوهاتها عن البث. يقول صحافي يعمل في إحدى هذه الإذاعات، لـ”العربي الجديد”، إن “الهروب من العاصمة أو التواري عن الأنظار كان خيار الضرورة بالنسبة للكثير من العاملين في الصحافة في ذلك اليوم، خاصةً ممن يعملون في إذاعة أو صحيفة أو حتى موقع إلكتروني كان يتبنى خطاب الأسد ومخابراته في الحديث عن مجريات المعارك أو حتى التوصيفات السياسية”. وأضاف: “نتيجة تراكم خطاب النظام عن احتمالات التعرض للقتل والذبح على يد المعارضة المسلحة، كان من الطبيعي أن يخاف الصحافيون من العمليات الانتقامية، فقرروا الاختباء في قراهم أو مدنهم”.

وتعرّضت بعض وسائل الإعلام السورية التي كانت محسوبة على شخصيات مرتبطة بالنظام المخلوع إلى التخريب والنهب ضمن موجة من الأعمال الانتقامية الشعبية، مثل إذاعة نينار التي كانت مملوكة لرامي مخلوف قبل سيطرة أسماء الأسد عليها، ومؤسسة كيو ميديا التي تعود ملكيتها إلى رجل الأعمال المرتبط بالنظام سامر الفوز. في المقابل، فضّلت وسائل إعلام مرتبطة بالحكومة الإيرانية مباشرة، مثل قناة العالم سوريا، إغلاق مكاتبها، بالتزامن مع اختفاء أغلب العاملين فيها خشية من أن يحسبوا على أنهم من أتباع الحكومة الإيرانية في سورية، والأمر نفسه ينسحب على منصة داما بوست التي كانت ممولة ومرخصة باعتبارها وسيلة إعلام موالية لـ”محور المقاومة”.

الإذاعات السورية على تنوعها آثرت التوقف عن البث في الأيام الأولى التي تلت سقوط “جمهورية آل الأسد”، وفرار رئيسها إلى الأراضي الروسية، خشيةً أيضاً من ردات فعل انتقامية، لكنها عاودت البث تباعاً. لكن هذه المؤسسات الإعلامية تواجه اليوم مأزقاً كبيراً لجهة عدم قبولها من قبل جزء كبير من الجمهور السوري، وكذلك مأزقاً في قبولها من القوى السياسية التي كانت تعارض وتحارب نظام بشار الأسد.

الإعلام في أزمة
على سبيل المثال، أصدرت صحيفة الوطن بياناً صباح الثامن من ديسمبر الماضي، قالت فيه إن “الإعلام السوري والإعلاميين لا ذنب لهم، كانوا وكنا معهم ننفذ التعليمات فقط وننشر الأخبار التي يرسلونها لنا وسرعان ما تبينت الآن أنها كاذبة”. لكن ذلك لم يغير من موقف الجمهور المعارض للأسد تجاهها، ممن اتهموها بـ”المشاركة في سفك الدم”، حالها في ذلك من حال كل وسائل الإعلام التي ما زالت تحاول أن تعود لسوق العمل بالزخم الذي كانت عليه قبل فرار الأسد.

من جهته، يرى المذيع والصحافي عدي منصور أنّ المأزق الحقيقي الذي يواجه الإعلام السوري هو اتهامه بالتحريض ضد السوريين، ويشرح خلال حديثه مع “العربي الجديد” أن “وسائل الإعلام التي تبث من دمشق كانت محكومة بنفوذ الأسد، وخاضعة لسيطرة شخصيات مثل لونا الشبل، والتي كانت تتحكم بالخطاب الإعلامي وتواجه أي محاولة للتغريد خارج السرب بالتهديد بسحب الترخيص والاعتقال والوقف عن العمل، وهي أمور حدثت بالفعل”. يستنتج منصور أنّ “التعميم الذي يواجهه كل العاملين في وسائل الإعلام بأنهم كانوا من المطبلين للأسد ليس منصفاً، ولم يكن الكل سواسية في هذا الإطار”، ويلفت إلى أن “أكبر مشكلة تواجهها وسائل الإعلام التي تريد العودة إلى العمل هي القبول ممن كنّا نصفهم بالآخر”، مضيفاً: “يجب على السوريين أن يسقطوا كل الخلافات التي كانت تفرقهم ليتمكنوا من بناء سورية جامعة للكل، وهذا ما يجعل المأزق الحقيقي بالنسبة للإعلام هو العودة إلى الصفر والبدء من جديد كوسيلة تخرج للتو إلى الجمهور”.

مقاتل من المعارضة أمام لوحة مخربة لبشار الأسد بكفرسوسة، ديسمبر 2024 (أمين سنسار/فرانس برس)
تقارير عربية
الساعات الأخيرة لحكم بشار الأسد.. هكذا تساقط “دومينو” النظام المخلوع

مخاوف الصحافيين
بدوره، يقول أحد الصحافيين السوريين الذي كان يعمل مراسلاً لقناة عربية عبّرت عن مواقف مؤيدة للأسد، في حديث مع “العربي الجديد” مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إنه “توقف عن العمل، ويمتلك مخاوف حقيقية من العودة إليه مع أي وسيلة إعلامية أخرى بسبب اعتباره شبيحاً”. ويرى أن “الحديث عن العدالة الانتقالية يجب ألا يكون فضفاضاً من قبل أي سلطة قضائية تطبقه، إذ إن العدالة يجب أن تطبق على منتهكي القانون الإنساني وقانون الحرب الدولي خلال تغطيتهم للمعارك، ويجب أن يحصر تطبيق العدالة الانتقالية فقط بمن ارتكبوا انتهاكات خلال عملهم الصحافي مثل الإساءة لجثامين الضحايا من خلال تصويرها”. يتابع: “العدالة يجب أن تطبق على من استغل علاقاته وعمله الصحافي لمصلحة دعاية النظام قبل سقوطه في تنفيذ أعمال نفعية خاصة، أما الصحافيون الذين كانوا يعملون ضمن وسائل إعلامية حكومية أو أخذت اصطفافاً سياسياً لمصلحة النظام من دون ارتكاب أي انتهاك أو أعمال غير قانونية فيجب ألا يكونوا ضمن قوائم المطلوبين للقضاء، وهذا ما يحقق العدالة الانتقالية لا الانتقامية”.

وبحسب ما قاله الصحافي، فإن النظام “كان يقسم الصحافيين إلى عدة مستويات حسب الولاء أو حسب القرب من القيادات الإعلامية، ولا نتحدث هنا عن إدارات مهنية، بل عن الشخصيات التي كانت أذرعاً إعلامية للنظام، والتي كانت ترسم الخط الذي تمشي عليه كل وسائل الإعلام التي تعمل ضمن مناطق سيطرة الأسد”. كما يشير إلى أن كثيراً من الصحافيين اضطروا إلى العمل تحت إدارة هذه الشخصيات بسبب انعدام فرص العمل خارج البلاد، كما أن الكثيرين منهم كانوا مجبرين على البقاء داخل مناطق سيطرة الأسد لأنهم ممنوعون من السفر، كونهم مطلوبين للخدمة الإلزامية أو الاحتياطية.

اليوم، بعد سقوط بشار الأسد يجد معظم الصحافيين أنفسهم عاطلين عن العمل، وغير مقبولين من وسائل الإعلام التي تعمل حالياً في البلاد لأنّهم كانوا عاملين في وسائل إعلامية موالية للأسد، ومن هؤلاء موظفو قناة سما الذين أبلغوا بقرار فصلهم بعدما أغلق مالك القناة القديم ورجل الأعمال الموالي للأسد، محمد حمشو، المحطة من دون دفع مستحقاتهم أو أي شكلٍ من أشكال التعويض.

ويرى عدي منصور أن توفير الحماية هو من الأساسيات بالنسبة للصحافيين والعاملين في القطاع الإعلامي، خاصةً مع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للتهديد المباشر من خلال النشر أو الرسائل أو حتى الحملات الممنهجة ضد المؤسسات أو الأفراد، وهذا ما يبيّن ضرورة وجود اتحاد جامع لكل العاملين في القطاع الإعلامي، يكون فاعلاً وقادراً قانونياً على حماية منتسبيه سواء على المستوى الفردي أو المستوى المؤسساتي.

وعود بـ”عدم التحيز”
نسقت وزارة الإعلام في العاصمة دمشق، في 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لقاء جمع وزير الإعلام السوري محمد العمر ومكتبه الإعلامي مع بعض الصحافيين، تناولوا فيه بعض القضايا المتعلقة بالإعلام وضرورة الوعي الإعلامي في هذه المرحلة. وأكد العمر “حرية الصحافة لضمان نقل الحقيقة، والالتزام بالمعايير الإعلامية لمواكبة هذه المرحلة الدقيقة، وإيصال سورية إلى بر الأمان”.

من جهته، تحدّث منسق العلاقات العامة في وزارة الإعلام السورية محمد الأسمر عن حماية حقوق الصحافيين في الحصول على المعلومات من خلال الوصول إلى مواد مهمة وذات قيمة. وأكد الأسمر التزام الوزارة بإعطاء المعلومات من دون تحيّز، وتقديم تسهيلات للجميع من دون استثناء، مضيفاً أنهم “يقدّرون جميع الكفاءات وسيجري العمل على استثمارها في سبيل تعزيز واقع الإعلام في سورية الجديدة”.

وقال علي الرفاعي، من العلاقات في وزارة الإعلام السورية، إن في الوزارة ملتزمون بتقديم التسهيلات للصحافيين، نافياً أن تكون الوزارة سلطة رقابية، بل مهمتها تقديم التسهيلات لجميع المراسلين والناشطين الثوريين، وأكد لـ”العربي الجديد”، حينها، السعي لتقديم كل أنواع التسهيلات “للوصول إلى إعلام سوري حر”، وشدّد على أن المتورطين في المشاركة في العمل الإعلامي مع النظام السابق، المضاد للعمليات العسكرية التي حُرّرت خلالها سورية، سيُستَبعدون من العمل في المؤسسات الإعلامية الجديدة.