بعد هجوم طهران على إسرائيل ومساهمة عدة دول بالتصدي للطائرات المسيرة والصواريخ التي أطلقت من الأراضي الإيرانية، تجدد النقاش بشأن فكرة إنشاء تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار “الناتو”.
وبين تأكيد على “نشاطه الفعلي”، ونفي “لإمكانية تدشينه”، وحديث عن مدى “الحاجة لوجوده”، انقسمت آراء خبراء تحدث إليهم موقع قناة “الحرة” حول “مشروع الناتو الشرق أوسطي”، فما هو هذا المشروع “الجدلي” وهل بدأت دول بمنطقة الشرق الأوسط تطبيقه حقا؟ ومن يضم؟ وهو موجه ضد من؟
في 24 يونيو لعام 2022، قال العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، لشبكة “سي إن بي سي”، إنه سيدعم تشكيل تحالف عسكري بالشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وليل السبت الأحد، أعلن الأردن أنه اعترض “أجساما طائرة” خرقت أجواءه، تزامنا مع الهجوم غير المسبوق بالصواريخ والمسيرات الذي شنته إيران على إسرائيل، في إشارة واضحة إلى المقذوفات الإيرانية.
دفاع “عربي – إسرائيلي” مشترك
وفي حديث سابق لموقع “الحرة”، أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن إيران أطلقت أكثر من أكثر من 300 مسيرة وصاروخ، على إسرائيل، تم اعتراض 99 بالمئة منها قبل دخول الأراضي الإسرائيلية.
وتمكنت الدفاعات الجوية الإسرائيلية بمساعدة الولايات المتحدة و”حلفاء آخرين” من اعتراض القسم الأكبر من الصواريخ والمسيرات الإيرانية.
ولذلك، يرصد رئيس المجلس الأوروبي للعلاقات والاستشارات الدولية ومقره باريس، عادل الغول، عدة مؤشرات لوجود “تحالف قائم بالفعل بين إسرائيل وعدد من الدول العربية”.
وتطبيق التحالف تحقق بشكل كبير خلال “مشاركة عدة دول عربية” في صد الهجوم الإيراني على إسرائيل، فمنها من “فتحت أجوائها” ودول أخرى شاركت بـ”معلومات أمنية واستخباراتية”، وذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول أوربية، وفق حديثه لموقع “الحرة”
وبحسب الغول، فقد جاءت الحاجة لتشكيل “التحالف” في ظل الاستراتيجية الأميركية بالانسحاب من الشرق الأوسط والتركيز على منطقة المحيط الهندي والهادئ لمواجهة صعود الصين واحتوائه.
ويشير رئيس المجلس الأوروبي للعلاقات والاستشارات الدولية لوجود عدة دول تشارك بـ”التحالف”، ومنها السعودية والإمارات والأردن والبحرين، حيث تعمل الولايات المتحدة منذ فترة على “تدشين حلف عسكري” في المنطقة يضم الدول العربية وإسرائيل، ليكون قادرا على الدفاع عن نفسه.
ويتفق معه الباحث في شؤون الشرق الأوسط، فادي عيد، الذي يؤكد أن “التحالف العربي الإسرائيلي” مشروع “قائم بالفعل” في ظل تعاون “عسكري واستخباراتي” بين بعض الدول العربية مع إسرائيل بقيادة أميركية.
ويضم التحالف دولا عربية هي الأردن والسعودية والإمارات والبحرين، وهي تنسق “عسكريا وأمنيا واستخباراتيا” مع إسرائيل، في مواجهة إيران وأذرعها بالمنطقة، وفق حديث عيد لموقع “الحرة”.
تحالف “سري”
تحتل إسرائيل المرتبة الـ17 بين أقوى جيوش الأرض، وتمتلك واحدا من أكبر الجيوش في العالم، خاصة من ناحية التجهيز العسكري، وتعتمد على “ضخامة قوتها العسكرية”، من أجل الحفاظ على نفوذها في المنطقة، مستفيدة من دعم الولايات المتحدة “ماديا وعسكريا”، بحسب موقع “غلوبال فاير باور”.
وتواصل موقع “الحرة” مع المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، ليئور بن دور، لسؤاله حول “حقيقة وجود تحالف غير معلن بين إسرائيل وعدد من الدول العربية”، لكنه قال إنه “لا يستطيع التعليق على هذا الأمر”.
ومن جانبه، يؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي، إيدي كوهين، وجود “تحالف سري غير معلن بين عدد من الدول العربية وإسرائيل”.
و”التحالف العربي الإسرائيلي” قائم منذ سنوات “ولم يتم تفكيكه ليوم واحد”، ويشمل تعاون “عسكري واستخباراتي وأمني واقتصادي وسياسي” بين إسرائيل والسعودية والإمارات والبحرين والأردن، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
والتحالف الإسرائيلي العربي “السري غير المعترف به”، يهدف لمواجهة “إيران وأذرعها في منطقة الشرق الأوسط”، وقبيل الهجوم الإيراني على الأراضي الإسرائيلية، حصلت إسرائيل على “معلومات” من حلفائها، ما ساعدها على “صد الهجمات”، حسبما يشير كوهين.
ويؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي أن التحالف مع إسرائيل يفيد الدول العربية ويساعدها في “التصدي لأطماع إيران وحلفائها ومحاولتهم التمدد في منطقة الشرق الأوسط”.
تحالف “شرق أوسطي”
وليل السبت الأحد، اعترض الأردن عددا من “الطائرات المسيرة والصواريخ” وسمح للولايات المتحدة و”دول أخرى” باستخدام مجاله الجوي، بينما شاركت الإمارات والسعودية “معلومات استخباراتية” بشأن الهجوم الإيراني المخطط له، وفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
وتواصل موقع “الحرة” مع المتحدث باسم الخارجية الأردنية، سفيان القضاة، لتوضيح ما إذا كان “اعتراض الصواريخ والمسيرات جزء من تفعيل الناتو شرق الأوسطي”، لكنه لم يرد على الاتصالات والرسائل المتكررة.
كما تواصلنا مع وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، مهند المبيضين، للحصول على “تعليق حول الموضوع نفسه”، دون التجاوب أيضا مع الاتصالات والرسائل.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يشير المحلل السياسي الأردني، صلاح ملكاوي، إلى أن الأردن “لا يرغب في الانحياز، وسيبقى على الحياد، وهمه الأول والأخير حماية سيادته وأجوائه وأراضيه”.
والأردن “بذل كل الجهد لإسقاط الأجسام الطائرة التي دخلت مجاله الجوي باتجاه إسرائيل”، لأنه يرفض أن تكون أراضيه وأجوائه “طريق” لرد إيران أو إسرائيل على بعضهما البعض، وفق ملكاوي.
وهناك “اتفاقات عسكرية مع دول صديقة وحليفة، وتواجد عسكري أميركي وأوروبي على الأراضي الأردنية”، والحلفاء تعاملوا أيضا مع الأجسام الإيرانية التي حلقت في سماء الأردن قاصدة إسرائيل، حسبما يوضح ملكاوي.
ويشير المحلل السياسي الأردني إلى أنه في المقابل “لم يتم اختراق أجواء الأردن أو استخدام الأراضي والأجواء الأردنية” خلال الهجمات التي نسبت لإسرائيل داخل الأراضي الإيرانية.
ويتطرق ملكاوي إلى الحديث السابق للعاهل الأردني عن “تحالف دول المنطقة”، ويقول إن “إسرائيل لم تكن ضمن المدعوين للمشاركة في (الناتو الشرق أوسطي)، لكن الحلف كان يستهدف ضم دول عربية”.
ولذلك، فإن اعتراض “الأجسام الطائرة الإيرانية داخل الأراضي الأردنية”، بعيد كل البعد عن فكرة “الناتو الشرق أوسطي”، وفق المحلل السياسي الأردني.
ماذا عن “دول الخليج”؟
تقع دول الخليج الغنية بموارد الطاقة على الضفة المقابلة للأراضي الإيرانية التي أطلقت مئات الصواريخ والمسيرات باتجاه الأراضي الإسرائيلية، ردا على هجوم استهدف قنصلية طهران في دمشق ونسب إلى إسرائيل وأدى إلى مقتل 7 من أفراد الحرس الثوري.
والمواجهة الإسرائيلية الإيرانية، كشفت صعوبة حفاظ دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات على “توازن دقيق” بين إيران منافسهما الرئيسي في المنطقة من جانب،والولايات المتحدة الحليف الأمني الأهم لهم، وإسرائيل من جانب آخر، وفق “وول ستريت جورنال”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عرب أن السعودية والإمارات “شاركا معلومات استخباراتية ساهمت في الرد الدفاعي الناجح” على الهجوم الإيراني ضد إسرائيل.
ومن جانبه، يشدد أستاذ الدراسات السياسية والاستراتيجية السعودي، محمد بن صالح الحربي، على أن الضربة الإيرانية “كانت معلومة مسبقا بالتوقيت والموعد” بالنسبة لإسرائيل ودول المنطقة.
والدول العربية “أغلقت مجالاتها الجوية ولم تكن بحاجة للتصدي للهجوم الإيراني؛ لأنه جاء باستخدام مسيرات (غير خطرة)، لكن لكل دولة الحق في حماية أراضيها وأجوائها وسيادتها”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
أما الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي، محمد الحمادي، فيشير إلى “عدم وجود تحالف بتركيبة على غرار تلك الموجودة بـ(الناتو) لكن هناك تنسيق عسكري موجود بين عدد من دول المنطقة في مختلف القضايا”.
والتحديات بالشرق الأوسط والمواجهات الأخيرة بين إسرائيل وإيران، تؤثر بشكل مباشر على “أمن واستقرار المنطقة”، ما يتطلب وجود “ناتو” كقوة ردع عربية حقيقية، وفق حديثه لموقع “الحرة”
ويتحدث المحلل السياسي الإماراتي عن صعوبة وجود “تحالف عربي إسرائيلي”، في الوقت الحالي، وخاصة بعد الحرب في قطاع غزة.
ورغم أن إيران تشكل “خطرا كبيرا” على المنطقة، لكن إسرائيل أثبتت أنها “لا تلتزم بالقوانين الدولية”، ولذلك يجب إعادة النظر في مدى فائدة الوجود الإسرائيلي بـ “تحالف الناتو”، حسبما يرى الحمادي.
ومن جانبه، يوضح زميل أبحاث سياسات الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، حسن الحسن، أن هناك “تكاتف جهود بين دول المنطقة في مسألة الدفاع المشترك ضد الهجمات الجوية الإيرانية”.
لكن “لا يوجد ناتو شرق أوسطي” بمفهومه الكامل والمتعلق بـ “الرد والتصدي والدفاع المشترك” في حال وجود “هجمات تمس أيا من مكونات التحالف”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويشير الحسن إلى أن البحرين تستضيف الأسطول الأميركي الخامس وأبرمت اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة العام الماضي، لكنه يؤكد “عدم وجود معلومات دقيقة حول طبيعة مشاركة المنامة في التصدي للهجمات الإيرانية على إسرائيل”.
وبعض دول الخليج أسقطت صواريخ ومسيرات اخترقت أجواءها وهذا أمر طبيعي في مواجهة “التعدي على المجال الجوي”، وفق زميل أبحاث سياسات الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
ماذا عن إيران؟
إيران، من جهتها، مسلحة بأكبر عدد من “الصواريخ البالستية” في المنطقة، وتحتل المرتبة الـ14 عالميا بين أقوى جيوش الأرض، وفق موقع “غلوبال فاير باور”.