تنطلق اليوم بمدينة أزمور فعاليات المهرجان الدولي لفن الملحونيات في نسخته الثالثة عشرة، دورة يمكن تسميتها بدورة “الصمود”، إذ نجح المهرجان في الاستمرار لثلاثة عشر عاماً رغم التحديات المالية والتنظيمية، في وقت لم يتمكن فيه مهرجان جوهرة الدولي من تجاوز دورته التاسعة، معلناً توقفه النهائي.
المكتب الشريف للفوسفاط، الذي ظل لسنوات يواكب المهرجان بدعم سنوي يصل إلى 150 مليون سنتيم، قلص مساهمته إلى 90 مليون سنتيم فقط بفعل أولويات مرتبطة بجائحة كورونا والإجهاد المائي. لكن السؤال الأعمق الذي طُرح خلال الندوة الصحفية ليوم أمس الثلاثاء، هو غياب مجلس جهة الدار البيضاء سطات عن دعم هذا الحدث الثقافي البارز، رغم رمزيته الوطنية واحتفاء جلالة الملك محمد السادس به في رسالة خاصة، فضلاً عن عناية أكاديمية المملكة المغربية بهذا الفن كجزء من الموروث الشفهي الغني للمغرب، ناهيك عن تصنيفه من قبل منظمة “اليونسكو” تراثا عالميا للإنسانية البشرية.
ورغم أن جهة الدار البيضاء سطات تجني مداخيل ضخمة من ميناء الجرف الأصفر، إلا أن إقليم الجديدة لا ينال سوى الفتات من المشاريع، باستثناء بعض المبادرات المتفرقة التي وُصفت بمحاولات “ذر الرماد في العيون”. ويظهر بوضوح أن المغرب انتقل من مركزية الرباط إلى مركزية الدار البيضاء، حيث تُوجَّه المشاريع الكبرى نحو محور الدار البيضاء سطات بن سليمان، فيما تظل الجديدة وسيدي بنور على هامش الاهتمام.
حتى وجود أربعة مستشارين يمثلون الإقليم داخل مجلس الجهة لم يُترجم إلى مكتسبات حقيقية، إذ اقتصرت حصيلة الترافع على مشاريع تهم نفوذ الجماعات الترابية التي ينتمون اليها، وبترافع محدود لمشروع يتعلق بتأهيل شارع جبران خليل جبران، وهو مشروع ما كان ليرى النور لولا انخراط المكتب الشريف للفوسفاط كمؤسسة مواطنة.
الحقيقة أن جزءاً من المسؤولية يتحمله المنتخبون بالإقليم، إذ لا يمكن انتظار الجهة لإنجاز الدراسات والبحث عن التمويلات والشركاء. التنمية الترابية كما يرى الخبراء رهينة بالملفات الجاهزة المدروسة تقنياً ومالياً، وهو ما لم يتحقق بعد في الجديدة وسيدي بنور. نفس الأمر قد ينطبق على الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية الذي دعا إليه جلالة الملك، والذي يظل مرهوناً بمدى جاهزية الفاعلين المحليين، حيث في ظل محدودية كفاءتهم يظل الثقل على أطر قسم الجماعات المحلية بالعمالة.
ورغم كل هذا، فإن مهرجان ملحونيات يظل حالة استثنائية، فملفه التقني والفني جاهز منذ سنوات، ويحظى برعاية ملكية سامية، غير أن كل هذه المعطيات لم تشفع لدى مجلس الجهة ورئيسه الاستقلالي عبد اللطيف معزوز في الارتقاء به ودعمه. هذا المهرجان لا يستحق فقط البقاء في أزمور، بل يمكن أن يتحول إلى مهرجان متنقل يجوب مختلف مدن جهة الدار البيضاء سطات، بعدما ساهم في بروز أصوات نسائية أزمورية أبدعت في فن الملحون، مثل الفنانة شيماء الرداف وهاجر الزهوري.
الواقع يطرح اليوم ضرورة إعادة النظر في أدوار المؤسسات المنتخبة، فالمجالس الإقليمية التي كاد دورها يتلاشى، يمكن أن تُمنح اختصاصات ذاتية واضحة في الشأن الثقافي والاجتماعي وتنقل اليها الموارد المالية، بينما تركز مجالس الجهات على التنمية الاقتصادية والاستثمار، في عودة إلى روح تجربة الجهات الاقتصادية السبع التي عرفها المغرب في مرحلة سابقة.