منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي خرج عشرات الآلاف من الجورجيين للتظاهر احتجاجاً على مشروع قانون “العملاء الأجانب” المثير للجدل، الذي تنوي الحكومة إقراره، وحذّر الاتحاد الأوروبي من أنه قد يقوّض تطلعات تبليسي للانضمام إلى التكتل.
وتدخل هذه المظاهرة في سلسلة احتجاجات حاشدة مناهضة للحكومة، عندما أعاد حزب “الحلم الجورجي” الحاكم تقديم خطط لتمرير قانون يقيد عمل المنظمات المتعاملة مع الجهات الأجنبية، وهو ما ينتقده معارضوه، مشبهين إياه بـ”تشريع تستخدمه روسيا لإسكات المعارضة”، على حدّ تعبيرهم.
وفي أول الأمر أتت هذه المظاهرات ردّة فعل تلقائية عقب ورود أنباء عن عمل الحزب الحاكم على عرض مشروع القانون على البرلمان، وهو ما تغير مع مطلع شهر مايو/أيار الجاري، حينما دخلت نحو 100 منظمة حقوقية وجِهة سياسية معارضة على الخط ودعت إلى الخروج إلى الشارع.
مظاهرات من أجل أوروبا
ويتظاهر الجورجيون ضدّ مشروع قانون “العملاء الأجانب” الذي ينصّ على تضييقات جديدة على المؤسسات التي تتلقى تمويلاً أجنبياً في البلاد، ويلزم القانون الجديد من الكيانات غير الربحية كالمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التي تتلقى أكثر من 20% من تمويلها من الخارج أن تسجل نفسها على أنها “منظمات تسعى لتحقيق مصالح نفوذ أجنبي”.
وينزل هذا القانون عقوبات صارمة على هذه المؤسسات التي ترفض الامتثال له، وقد تصل الغرامات جراء ذلك إلى 9 آلاف دولار أمريكي.
وفي 3 أبريل/نيسان الماضي أعلنت الحكومة الجورجية عزمها طرح مشروع قانون “العملاء الأجانب” من جديد، بعد أن اضطرّت إلى سحبه في شهر مارس/آذار 2023، تحت ضغط شعبي ومظاهرات مماثلة للجارية في الأسابيع الأخيرة.
وعبّر الاتحاد الأوروبي عن “أسفه” لعزم حكومة تبليسي طرح مشروع القانون ولقرار إعادة تقديم مشروع القانون، قائلاً في بيان له إن الأمر يثير “مخاوف جدية”.
ومنح الاتحاد الأوروبي جورجيا منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي صفة المرشح للانضمام إليه، مع توصيات بالاستمرار في الإصلاحات السياسية التي ستخول للبلاد تحقيق هذا الهدف.
وكانت رئيسة جورجيا سالوميه زورابيشفيلي قد حثت الدول الأوروبية على دعم بلادها في “طريقها الأوروبي”، خلال حفل حضره سفراء تلك البلدان يوم 4 مايو/أيار الجاري.
وتُعَدّ المظاهرات المستمرة ضدّ مشروع قانون “العملاء الأجانب” دلالة المطالبة بالانضمام إلى أوروبا، وهو ما عبّر عنه المتظاهرون برفع أعلام الاتحاد الأوروبي وترديد النشيد الرسمي للاتحاد الأوروبي.
وقالت مريم اساياشفيلي، طالبة جامعية ومن المتظاهرين: “أريد أن أكون جزءاً من أوروبا، وأريد الحرية، كما يفعل أصدقائي الآخرون، لكن هذا القانون يبعدنا أكثر عن تلك المهمة”.
وواجهت الحكومة الجورجية المظاهرات بقمع شرس، إذ استخدمت الشرطة خراطيم المياه لتفريق المحتجين، كما اعتقلت العشرات منهم بتهمة “عصيان الشرطة وارتكاب أعمال شغب”.
وتعرض النائب ليفان خابيشفيلي رئيس الحركة الوطنية المتحدة، حزب المعارضة الرئيسي بزعامة الرئيس السابق المسجون ميخائيل ساكاشفيلي، لضرب مبرح واحتاج لتلقي العلاج، إذ بثت قنوات تليفزيونية محلية صوراً تظهر وجهه وعليه كدمات.
وصرّحت الرئيسة الجورجية سالومي زورابيشفيلي، المعارضة للحزب الحاكم، قائلة: “أدعو وزير الداخلية إلى الوقف الفوري لقمع التجمع السلمي واستخدام القوة غير المتناسبة والعنف ضدّ الشباب”.
وانتقدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين استخدام الشرطة الجورجية العنف في حق المحتجين، وقالت إنّ “مواطني جورجيا يُظهرون ارتباطهم القوي بالديمقراطية، ويجب على الحكومة الجورجية أن تستجيب لهذه الرسالة الواضحة”.
من جانبه شدّد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على أن “استخدام القوة لقمع المظاهرات (في جورجيا) أمر غير مقبول”.
حلبة تنافس غربي-روسي
منذ سنوات وجورجيا حلبة تنافس بين النفوذين الروسي والغربي في عمق منطقة القوقاز، وهو ما أدّى في صيف عام 2008 إلى اجتياح الجيش الروسي للأراضي الجورجية، بذريعة حماية حلفائها من انفصاليي إقليم أوسيتيا الشمالية، لكن الهدف منع تبليسي من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
ويُنتقد قانون “العملاء الأجانب” الذي تعتزم الحكومة الجورجية طرحه بأنه “قانون روسي”، ويهدف إلى تعزيز موسكو نفوذها في الجمهورية السوفياتية السابقة، إذ يضيق على المؤسسات الممولة من الجهات الغربية، ويشابه مشروع القانون الجورجي قانوناً كانت الحكومة الروسية سنّته عام 2012.
وفي مارس/آذار 2023 نددت موسكو على لسان خارجيتها بالضغط الشعبي على حكومة تبليسي من أجل سحب مشروعها، معتبرة هذا “تدخلاً لأيادٍ خارجية في الشأن الجورجي، ومحاولة لتكرار السيناريو الأوكراني”.
وبشأن تجدد الاحتجاجات في الأسابيع الأخيرة، علّق المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف بأن منتقدي مشروع القانون “بحاجة إلى شرح أكثر فاعلية لسخافة اعتبار هذا مشروعاً روسياً”.
ودافع بيسكوف عن القانون المقترح وقال إنه “لا توجد دولة تريد التدخل من دول أخرى في السياسة الداخلية، وهذه ممارسة طبيعية”، مشدداً على أن بلاده تريد “الاستقرار والقدرة على استشراف المستقبل” في جورجيا.
ومن المتوقع أن تجري القراءة الثالثة والأخيرة لمشروع القانون في 17 مايو/أيار الجاري، وبعد إقراره سيُرسل إلى الرئيسة الجورجية سالومي زورابيشفيلي، التي وعدت باستخدام حق النقض ضدّه، لكن يمكن لحزب “الحلم الجورجي” الحاكم بعد ذلك استخدام أغلبيته في البرلمان لتجاوز حق النقض، وتنزيل القانون على أرض الواقع.