نقمة تكشف نعمة.. الزلزال يعري عن خصال متجذرة في المغاربة
مرّ أزيد من أسبوع على فاجعة الزلزال الذي ضرب الحوز ومناطق أخرى زن المملكة، فاهتز المغرب كاملا حتى امتزجت كل ربوعه في لوحة تضامن أخرى متداخلة الألوان واللهجات، لوحة تبرز أن التضامن والتآزر أساسان متجذران في الثقافة المغربية عامة.
فبمجرد إعلان الحادث وما خلفه من خسائر وضحايا في منطقة الحوز؛ بدأ المواطنون يتجهون من مختلف المناطق والمدن الأخرى مهرولين لتقديم يد العون وتزويد المتضررين بالمؤن والمواد اللازمة.
والمثال هنا بالعاصمة الرباط، حيث الأربع مائة أو خمس مائة كيلومترا الفاصلة عن مناطق الحوز قد تلاشت ولم تعد ذات قيمة أو حاجزا أمام عائشة، ولم تمنعها حتى الأشهر المتقدمة من حملها من مد يد العون والتضامن، فقناعتها أن المساعدة واجبة “كل من موقعه، كل حسب استطاعته”.
بصرخة يملؤها الأسى، عبّرت عائشة وهي تدفع عربة تسوق مليئة بمنتجات الأطفال في مدخل أحد المتاجر الكبرى قائلة: “إنها مأساة، لقد فقدنا إخوانا وأخوات. أطفال أصبحوا أيتاما بين عشية وضحاها”، حسب ما نقله ربورطاج لوكالة المغرب العربي للأنباء.
هكذا توالت مبادرات التضامن المختلفة مع المتضررين من كل المدن، وتنوعت بين إيصال المساعدات بمختلف أشكالها وبين المساهمات المالية، مرورا بالتبرع بالدم في مراكز تحاقن الدم.
وبينما هرول عدد من المواطنين لاقتناء المساعدات وتوفير المواد الضرورية؛ ارتأى البعض الآخر أن يكون قنطرة العبور، فلم يتردد محمد سعد، الشاب ذو الثلاثين ربيعا، لوهلة بالانخراط في إيصال المساعدات للأسر المتضررة على متن شاحنته الصغيرة.
فراح في تجربة محفوفة بالمخاطر ستظل برأيه محفورة في ذاكرته، نظرا للمنحدرات الطرقية والطرق المقطوعة بسبب انهيار الصخور، لكنه لم يندم عليها فقال: “فعلت ذلك بترحيب كبير، لم يغمض لي جفن لمدة يومين متتاليين”.
رحلة عاد منها بمشاهد راسخة في ذهنه وصفها بنبرة متأثرة “أكثر ما أثر في هو عندما أسأل أحد الضحايا عن احتياجاته تكون إجابته بأنه لا يحتاج شيئا، سوى عائلته المفقودة”.
“كما أكد المتطوع أن السلطات قامت بعمل جبار حتى تنجح في ظرف وجيز في فتح الطرق، وإزالة الأنقاض وتوصيل المساعدة بشكل استعجالي للدواوير النائية”.
فاجعة أفرزت إنفاقا غير متوقع من طرف المواطنين- رغم تراجع القدرة الشرائية والأوضاع الاجتماعية الصعبة المعاشة في هذه الفترة- ما تجلى في متطوع صرف 400 ألف درهم على شكل تبرعات عينية، بل حتى ذوي القدرات الشرائية المتواضعة يستجيبون للنداء، مثل عاملة النظافة التي جاءت لتعطي قنينة حليب أو الفتاة الصغيرة التي تبرعت بألعابها.
وبأسف وحسرة؛ يقول بوزكري، رجل في الستين من عمره أتى رفقة زوجته لإيداع سلة من المواد الغذائية في قاعة السوق التجاري: “لا نستطيع أن نفعل أي شيء أمام مشيئة الله. لقد بذلت كل ما بوسعي، لو لم أكن مريضا لذهبت إلى مكان الحادث لمساعدة أبناء بلدي”.
هذا، وانخرطت بعض المحلات التجارية الكبرى، من جهتها، لتسهيل تعبئة المواطنين عبر إنشاء نقاط لجمع التبرعات داخل فضاءتها، مع ضمان جميع الخدمات اللوجستية، وأوضحت مديرة المبيعات في أحد المتاجر الكبرى بالعاصمة أن قوافل التبرعات تنطلق كل يوم نحو مراكش وأكادير، قبل أن يتم توزيعها، بالتشاور مع السلطات المحلية على الأماكن المتضررة من الكارثة.
ومعبّرة عن تأثرها بهذا التضامن؛ قالت زميلتها بنفس المتجر “إنه أمر مؤثر أن نرى مظاهر الكرم هاته، حيث أن جميع مشتريات الزبناء توجه غالبيتها لمساعدة ضحايا كارثة الحوز. فالبعض يقتني كل أشكال البضائع، بينما البعض الآخر يحضر من منازله الأغطية والخيام والملابس والطعام، والمصابيح والأدوية… باختصار، أي شيء يمكن أن يتبادر إلى الذهن”.
وتحكي وأعينها يغمرهما الدمع: “إذا أحصينا الأيام الثلاثة الأولى فقط، فإن كل متطوع اشترى ما لا يقل عن حجم عربتين ممتلئتين بجميع أنواع المنتجات، كل ذلك بطريقة منظمة وبطيب خاطر. كانت الرفوف تُفرغ بمجرد امتلائها، في مشهد أثار إعجاب الأجانب الحاضرين”.