جريدة

نور الدين هرهوري: قبيلة بني مسكين مستودع الأصالة والجمال

بني مسكين، ثلاث سنوات وأنا أجوب أقطارك وأركانك، كأم ربت، حضن دافئ، هدوء عارم، أنت جزء من رواية برادة، وادي أم الربيع كالإلهة أناة، يفرحنا تارة، ويقتص من سعادتنا أياما، يسرق أغنام المستضعفين، ويخطف آلهة أقسامنا دونما سابق إنذار، أسواقك كسوق عكاظ، كمدرسة شعبية زاخرة بالحكمة، بالسرد، بالغنائية، ثقافتك التليدة، أهاليك الحكماء والشرفاء، خالي امحمد الزجال الذي أعاد تصحيح ما جمعته ودونته من أهالي الشاوية من شعر شفوي شعبي، قبيلتان جارتان متكاملتان لغويا وثقافيا، جارتان تحفظان تاريخ بعضهما البعض، فإن غاب عنك مثل شعبي إلا ووجدته هناك مصونا، وكأنهما تضعان رأسيهما على وسادة واحدة.
بني مسكين أرض الكرماء، عين بلال، الجدودة، لخنانسة، لساسفة، البير الطويل، ولاد فريحة، ولا الحجام، ولاد التومي…، دار الشافعي الحضن الأمين الذي يؤلف بين كل الدواوير المجاورة، تتعدد الألقاء العربية النازحة من الشرق من قبيل الدياني والرباني والإدريسي والسباعي الإدريسي والعكاري واليماني والسعودي والخنوسي والبحراوي والنعيمي والريحاني وفارس وصادق وأبو الوفاء…، وثلة من الألقاب التي لم يسعفني الحظ لذكرهم في هذا المقام.
خرج من صلب بني مسكين ثلة من الرموز في ميادين مختلفة سياسية وثقافية وفنية…، وقد حملتني مسؤولية توصيفها بما يليق بها، حسنا ومناقب وتبوريدة ومهرجانات الصردي، وكلاما منظوما منتظما، قبيلة يمتاز أهاليها بقوة الحفظ والتذكر، فإن غاب عنك نص شفاهي لغاية التحقيق وجدت خالي امحمد أو الزجال عباس لفقيه يُنَظِّمُ ما اختلط لديك من قريض زجلي شعبي، إن احتكاكي مع هؤلاء الرواة لم يزدني إلا يقينا بأنه يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، لا يعد قولي هذا واعترافي مجازا، لأن النصوص الشفوية الشعبية التي وقع عليها الاختيار للدراسة في قبيلة الشاوية منطقة أمزاب، يتنافى جزء منها ما مع ما صححه الرواة المسكينيون في مجالسنا بسوق السبت ولاد فريحة، وسوق الخميس دار الشافعي، وسوق الأحد لبروج، حيث لا يمكن المزايدة عليهم إطلاقا، ودليل ذلك أن سقوط أسطر زجلية من نص شعبي شفاهي ستجدها حاضرة بشكل صريح ثابتة في ذاكرة راوٍ مسكيني.
إني أعد هذا الاعتراف فهرسا ضيقا لما سيليه تباعا، ثلاث سنوات تتغلب على أربعين يوما، شربنا من مشربهم وماء بير بوكندوز، وأكلنا من مأكلهم، وافترشنا ترابهم وعشب لمريجة، والتحفنا سماءهم المرصعة بالنجوم، إن ما أخطه ليس إطنابا في حق الأهالي، وإنما تأريخا واعترافا بفضل وقيمة القبيلة المسكينية.
لعل المهرجان السنوي الذي ذأب المسؤولون والساكنة على تنظيمه يترجم وعيهم في الحفاظ على الموروث الأصيل، ثلة من الأصدقاء الغيورين على المجال من سياسيين وجمعويين وكفاءات في ميادين عدة جعلوني أؤمن أنه لا خوف على القبيلة والوطن من أيادٍ ساعية على الهدم والنهب.
إلى اللقاء أيتها القبيلة العجوز في التأسيس، جنين يتطور ويتنامى كي يكتسح مجالات أوسع في قلوب الزوار والضيوف وعابري السبيل، إلى اللقاء أيتها الأم الثانية المرضعة.

 نور الدين هرهوري: شاعر وباحث في قضايا الأدب والمثاقفة