جريدة

نور الدين هرهوري يكتب: رحلة من الشعر إلى الدراماتورجيا تأسيسا لمسرح مغاير

قُدِّم العمل المسرحي المعنون بـ”حاجتي فكْريني” اليوم الثالث والعشرين من شهر شتنبر عام ثلاثة وعشرين وألفين، بالمركز الثقافي ابن مسيك/ بالدار البيضاء، تأليف حسن نجمي، وإخراج الفنان والممثل عبد الإله عاجل، عمل رصين عالج قيما إنسانية مثلى، ووظائف عدة…فكرية وسياسية واجتماعية، لعب البعد الروحي فيها دورا مركزيا، تيمة الموت، السجن، الألم، الحب، الوفاء بأبعاده الاجتماعية والوطنية، الانتماء، الصمود، كان النضال وظيفة مركزية، استطاعت أن تجعل الوظائف الصغرى خادمة لها مكملة للوحة مسرحية تفاعل معها المتلقي/الجمهور بشكل لافت، ما يعكس مصداقية الرسالة، وكفاءة جنود الخفاء ما ظهر منهم وما بطن.

هكذا إذن، هو دور الفن، وغاية المسرح، إمتاع لا يخلو من الإقناع، تلتفت فجأة فتجد بالقرب منك أستاذنا الدكتور حسن بحراوي، متأملا العمل المقدم، متفاعلا بروحه وجسده مع كل إيماءة وحركة تبدر عن الممثل المسرحي، وخاصة حينما يقرع قيد السجين، أو حينما يعلن حارس الزنزانة عن نهاية وقت الزيارة.

ذكرني هذا العمل اليوم، بما أشرت إليه قبل سنتين، حيث طرحت إمكانية التأليف بين المعهد المسرحي وكلية الآداب والمعهد الموسيقي بالرباط، لنكون أمام فن متكامل، تُقَوِّمُهُ إمكانات ثلة من المثقفين القادرين على عرض تصوراتهم وخلفياتهم وتجاربهم في مجالات عدة، لا يمكن حصر المثقف في خانة محددة، وتأطيره وإلقاء أحكام القيمة عليه، دون معرفة شاملة بمؤهلاته، وقدراته التي يمكن تسخيرها خدمة للفن والإنسان…

اليوم؛ نشهد ميلاد عمل مسرحي فني قيم، لا يمكن للناقد المسرحي أن يغض عنه الطرف دون توصيفه والإلمام بكل ما عُرِضَ، نصا مسرحيا وتشخيصا وديكورا…، هي دعوة جادة إلى عقد شراكات مع مثقفين من ميادين مختلفة، أدبية وعلمية وتقنية، آن ذاك يمكن القول إن العمل الفني استوى واستقام، لا يمكن مجابهة أعمال فنية عالمية إلا باستحضار أبعاد الثقافة الشعبية الوطنية، النجاح يبدأ من المحلية، بالإضافة إلى البعد العالِم، وقد استحضر حسن نجمي مؤلف عمل اليوم، البعدين معا، في حلة توفيقية، ترجمت حكمته، وقدرته على وضع المتلقي في عوالم مختلفة… روحية ميتافيزيقية، ومادية واقعية.

كمهتم بالثقافة الشعبية والعمل الفني المسرحي أقول: إن المبدع المغربي حسن نجمي، أقدم على بناء تصور جديد في المسرح المغربي، وقد أسميته: ”تأسيسا لمسرح مغاير”، تبئير الموضوعات الإنسانية بالمزاوجة بين النص والعرض، النص الذي يستقي أسسه من لب الدراسات الثقافية الشعبية، والعرض يكمن في موهبة نخبة من الممثلين المغاربة الذين عكسوا الزمان والفضاء المسرحي لينقلوا الجمهور إلى حقبة زمنية مرتبطة بالقرن الماضي، التبئير كذلك استهدف من خلاله المؤلف جزءا من الكل، فردا من الجماعة، عينة من المجتمع، بل العينة الممثلة للنخبة المثقفة وما تعانيه جراء ثباتها على مواقف محددة، والثمن الذي تدفعه جراء هذا التمرد، السجن، التعذيب، الاضطهاد…
عمل جديد بأس نظري ونقدي قيم، انطلق فيه المؤلف من خلفية معينة، بعيدا عن المنهج الاجتماعي كوننا نعرف الرجل وما قدم في حقل النقد والرواية والشعر وكتابات صحفية موازية…، نقول: ”إن العمل نقطة تحول التصور المسرحي المغربي، وانعطافة نحو بناء مزيد من الأعمال المسرحية والسينمائية، كل التوفيق لزملائنا فيما أقدموا على تشكليه، نصا وعرضا، ننتظر منكم رهانات كبرى نُقّادا وجمهورا…

الأستاذ الباحث: نور الدين هرهوري