جريدة

هل يتخلى الحزب الديمقراطي عن «حصانه العجوز»؟

ميديا أونكيت 24

أمريكية تساند الحزب الديمقراطي تشاهد المناظرة الرئاسية بين بايدن وترمب من شيكاغو، 27 حزيران 2024. تصوير تشارلز ريكس أربوغاست، أ ب.

هذه الترجمة هي نسخة مختصرة من المقال المنشور في موقع كاونتر بنش في 3 تموز 2024.

قال سيمور هيرش إنّ بايدن لم يكن حاضرًا بالكامل. وتأثّر توماس فريدمان وجين فوندا حدّ البكاء. أمَّا روب راينر الذي شاهد المناظرة مع فوندا في لوس آنجلوس صحبة دوج إيمهوف -زوج نائبة بايدن كامالا هاريس- فقد صرّح على التلفاز: «لقد خسرنا». فيما قال أحد كبار جامعي الأموال في الحزب لصحيفة بوليتيكو: «أملُنا الوحيد هو أن ينسحب أو أن نتوصل لاتفاق في المؤتمر [الديمقراطي] أو أن يموت. وإلّا، فنحن الذين سنموت». لم تكن هذه سوى بعض ردود الأفعال الصاعقة على أداء جو بايدن الذي بدا كالسائر في نومه أثناء مناظرته ضدّ ترمب في مدينة أتلانتا.

من المفترض ألّا يكون المظهر المتداعي لبايدن وصوته المُحشرج وإجاباته المحيرة أمرًا مفاجئًا. يبلغ بايدن من العمر 81 عامًا وهو في طريقه إلى الشيخوخة منذ سنين. إلَّا أنّ أغلبيّة الناس، بما في ذلك العديد من مؤيديه المتحمسين، لم يروا هذه النسخة الهزيلة من بايدن من قبل على نطاق واسع.

 

منذ فترةٍ طويلة، لم يعد بايدن يظهر كثيرًا في المناسبات العامة. كما إنَّه لم يعقد مؤتمرًا صحفيًّا كاملًا منذ ما يقرب من عام. لقد كُبِحَ وأُبقيَ تحت قيود مشددة من قبل موظفيه، حيث اقتصرَ على التفاعلات القصيرة مع الصحافة في البيت الأبيض أو التعليقات المعدة مسبقًا التي يلقّنه إياها جهاز التلقين. وحتّى حينذاك، فقد بدا مُحجِمًا، ومرتبكًا، وغير متزن عقليًا.

 

لقد أفاد الصحفي كارل بيرنشتاين، خلال مقابلة مع شبكة سي إن إن، بأنّ هناك مصادر متعددة أخبرته أنه كانت على الأقلّ هناك خمسة عشر مناسبة في العام ونصف العام الماضيين «بدا فيها الرئيس تمامًا مثلما ظهر في هذا العرض المرعب (أي في المناظرة)». وأضاف برنشتاين إنّه على مدار الستة أشهر الماضية، أفادته المصادر بأنه كان هناك مستوى ملحوظ من التدهور العقليّ لدى بايدن. ويقول إن بعض مصادره نقلت مخاوفها إلى رون كلاين [الرئيس السابق لموظفي البيت الأبيض] في العام الماضي، بسبب قلقها من أنّ الرئيس يفتقر إلى تسلسل الأفكار وليس لديه القدرة على المتابعة من حيث توقّف. وصف برنشتاين بايدن في حفلة جمع التبرعات في مطعم فور سيزونز في نيويورك، في حزيران الماضي، بأنه بات «متيبسًا للغاية… وكأنّه جثة هامدة».

إنّ موظفي بايدن وعائلته مكلّفون بحمايته، لكن وسائل الإعلام ليست كذلك. من المؤكد أن معظم مراسلي البلاط الآخرين كانوا يعرفون ما سمعه برنشتاين. بيد أنهم كانوا متواطئين إلى حد كبير في التستر على التدهور العقليّ المتسارع لدى بايدن، ربما يرجع ذلك إلى كراهيتهم العميقة لترمب الذي يبدو أن قدراته العقليّة، أيًا تكن، في حالة متقدمة من التدهور أيضًا.

ومثلما كتبت المحررة التنفيذيّة السابقة للنيويورك تايمز، جيل أبرامسون، في موقع سيمافور: «من الواضح أن أفضل مراسلي الأخبار في واشنطن فشلوا في الواجب الأول للصحافة: مساءلة السلطة. علينا أن نخترق ستائر الدخان المحيطة بالبيت الأبيض ونكتشف الحقيقة. إذ من الجليّ أنّ البيت الأبيض في عهد بايدن نجح في التستر بشكل كبير على درجة ضعف الرئيس وتدهوره البدنيّ الخطير، والذي قد يكون ببساطة نتيجة الشيخوخة. إنه لمن العار على صحافة البيت الأبيض ألا تخترق حُجُب السريّة التي تلفّ الرئيس».

إلّا أنَّ القناع سقط أخيرًا بعد المناظرة. فقد قال كل كُتّاب الأعمدة الليبراليين تقريبًا في النيويورك تايمز، من أمثال نيك كريستوف وتوماس فريدمان وعزرا كلاين وبول كروجمان، إن بايدن عليه أن يتنحى عن الترشح من أجل مصلحة البلاد. وبعد بضعة أيام، أطلقت الافتتاحية الرئيسية للصحيفة الحكم القاتل نفسه على بايدن. ثم قدّم ديفيد ريمنيك، محرر مجلة نيويوركر، تقييمه الصارخ للحالة السياسيّة النهائيّة لبايدن قائلًا: «إنّ إصرار جو بايدن على بقائه المرشحَ الديمقراطيّ لن يكون فقط خداعًا للذات، بل أيضًا خطرًا قوميًا».

إنّ الدائرة المقرّبة لبايدن التي تتكون بصورة كبيرة من عائلته ومستشاره منذ فترة طويلة تيد كوفمان، البالغ من العمر 85 عامًا، قد تلاحمت واصطفّت وعزت أدائه الضعيف ضد ترمب إلى نزلة برد، وأدوية البرد، وطاقم الإضاءة والمكياج في سي إن إن، وفشل المشرفين من التحقق من صحة حقائق ترمب، وإفراط طاقم بايدن في إعداده في كامب ديفيد، مما جعله متعبًا وعرضة لوابل هجمات ترمب المبالغ فيها. لكن كما قال بن رودس، المساعد السابق لمستشار الأمن القومي لأوباما، بعد بضع ساعات على الكارثة: «إن إخبار الناس أنهم لم يروا ما رأوه ليس الطريقة المناسبة للرد على ما حدث».

كانت ميكا بريجنسكي، المذيعة في قناة إم إس إن بي سي وإحدى المؤيدين المتعصبين لبايدن، واحدة من آخر المنافحين عنه في وسائل الإعلام. حيث قالت: «نحن بين خيارين: ليلة سيئة للغاية مقابل عقد من الدمار لمعتقداتنا الأساسية، وقيمنا الديمقراطية، ونعم، لدستورنا. لا يزال جو بايدن بالنسبة إليّ هو الرجل المناسب لهذه اللحظة». لكن بالطبع، لم تكن تلك مجرد «ليلة سيئة للغاية». فعقل بايدن لم يذُب فجأة تحت أضواء السي إن إن. بل كان يتدهور منذ سنوات ولا يمكن إصلاحه وعلاجه مرة أخرى. ربما تكون تلك «الليلة السيئة للغاية» هي أفضل ليلة لبايدن على الإطلاق من الآن فصاعدًا.

بالنسبة إلى أيّ شخص تابع مسيرته المهنية، لم يكن بايدن «حاضرًا» حتى عندما كان حاضرًا. ففي عام 2008، كان هناك العديد من المراقبين المحايدين الذين اعتقدوا أن سارة بالين بالحد الأدنى وقفت معه على قدم المساواة معه في مناظرة نائب الرئيس. وبالنظر للتوقعات المنخفضة منها، يمكن القول إنها فازت بتلك المناظرة.

هناك سبب لعدم سماح مساعدي بايدن له بإجراء العديد من المقابلات، وقد أضحى الأمر جليًّا للجميع ليلة المناظرة الرئاسية. بيد أنَّ النصوص المنشورة للمقابلتين الطويلتين اللتين أجراهما مؤخرًا -مع مجلة التايم ومع المستشار الخاص- كشفت عن اضطرابه وضعف ذاكرته وتحليقاته الخيالية. يقول الصحفي فرانكلين فوير إنّ موظفي بايدن يميلون إلى التطبّب الذاتيّ بالخمر بعد قضاء يوم مع الرئيس، لذا يبدو من غير المرجح أن يكون الفريق مستعدًا لمكالمة أزمة طارئة في الثالثة صباحًا.

فشل بايدن بشكل خاص في تناول أحد أهم نقاط قوته ضد ترمب، ألا وهي مسألة الإجهاض. كان بايدن دائمًا «معارضًا بصورة شخصيّة» للإجهاض، وحاول كعضو في مجلس الشيوخ تقييده قدر الإمكان، خصوصًا من خلال التصويت مرارًا وتكرارًا لصالح تعديل هايد الذي يحظر التمويل الفيدرالي لعمليات الإجهاض، الأمر الذي يعني في الواقع أن النساء الفقيرات لا يتمتعن بحقوق إنجابية متساوية. في المناظرة، قال بايدن: «الأمر كالتالي، هناك الكثير من الشابات اللاتي يتعرضن للاغتصاب من قبل.. من قِبل أهل أزواجهن، من قبل.. من قبل أزواجهن، وأشقائهن وأخواتهن، ومن قبل … إنه.. إنه مجرد… -إنه مجرد أمر سخيف. ولا يمكنهم فعل أي شيء حيال ذلك». مغتصبات من قبل «أخواتهن»؟

فضلًا عن ذلك، بدا أن بايدن ارتكب انتحارًا سياسيًا على الهواء مباشرة عندما أكّد أنه «تغلب على برنامج الرعاية الطبية Medicare». إلا أن اقتباس بايدن الكامل قبل تلك العبارة لا يقل سوءًا عن الخاتمة المخزية:

على سبيل المثال، لدينا ألف تريلونير في أمريكا – أعني، ملياردير في أمريكا. وماذا يحدث؟ إنهم في وضع يدفعون فيه فعليًا 8.2% من الضرائب. إذا دفعوا فقط 24% أو 25%ـ أي واحد من هذين الرقمين، سيجمعون 500 مليون دولار – أعني مليار دولار، في فترة عشر سنوات. سنتمكن من القضاء على هذا الدين. سنتمكن من المساعدة في ضمان أن جميع الأشياء التي نحتاج إلى القيام بها -رعاية الأطفال، رعاية المسنين، التأكد من أننا نواصل تعزيز نظام الرعاية الصحية لدينا، التأكد من أننا قادرون على جعل كل شخص مؤهل لما كنت قادرًا على القيام على فعله مع – مع، مع، مع كوفيد. عذرًا، مع التعامل مع كل ما نحتاج إلى القيام به – انظر، إذا – أخيرًا هزمنا الميديكير.

لقد أطلق ترمب بعض الحقائق المدوية خلال المناظرة مع بايدن الذي بدا كأنه زومبيّ، مستمرًا في مزاعمه الهزلية بأن حماس فقط هي التي تعارض خطة وقف إطلاق النار الخاصة به. إذ قال بايدن: «كلٌّ من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرورًا بمجموعة السبع إلى الإسرائيليين ونتنياهو نفسه قد وافقوا على الخطة التي قدمتها، وهي الخطة التي تحتوي على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى، وهي تتعلق بالرهائن من أجل وقف إطلاق النار. المرحلة الثانية، هي وقف إطلاق النار مع شروط إضافية. المرحلة الثالثة، ألا وهي نهاية الحرب. الطرف الوحيد الذي يريد استمرار الحرب هو حماس».

هنا، أشار ترمب بشكل صحيح إلى أنّ «إسرائيل» هي التي تعترض على وقف إطلاق النار الدائم، وهي حقيقة تبعها بإهانة عنصرية. قال ترمب: «عليك أن تسأله، بالنسبة إلى إسرائيل وحماس، إسرائيل هي الطرف الذي يريد الاستمرار. هو قال إنّ الطرف الوحيد الذي يريد الاستمرار هو حماس. في الواقع، إسرائيل هي التي تريد، ويجب أن تدعهم يستمرون ويكملون المهمة. هو لا يريد القيام بذلك. لقد أصبح وكأنه فلسطينيّ. لكنهم لا يحبّونه لأنه فلسطينيّ سيئ جدًا. إنه فلسطيني ضعيف»؛ ضعيف حدّ أنه سلح قتل أكثر من أربعين ألف شخص يجري الآن مقارنته بهم بكل سخرية وازدراء. «فلسطينيّ» هي تلك الكلمة الجديدة المهينة التي يمكن لأي شخص، من السياسيين إلى الكوميديين، استعمالها بوصفها لفظًا عنصريًا دون خوف من ردود الفعل.

ووسط تلعثم بايدن المفكك، مرر اعترافًا كاشفًا، حيث تبنى خطاب نتنياهو الاستئصاليّ بالقضاء على حماس، وأشار إلى أن وكالة المخابرات المركزية كانت تساعد «إسرائيل» في استهداف قادة حماس للاغتيال أو الغارات الجوية: «لا يمكن السماح لحماس بالاستمرار. نواصل إرسال خبرائنا وأفراد استخباراتنا لمعرفة كيفية القضاء على حماس مثلما فعلنا مع بن لادن… يجب القضاء عليهم».

 

لم يؤدّ بايدن «أداءً سيئًا في المناظرة». لقد أظهر أنه غير كفء ليكون رئيسًا. هذا الرجل الضعيف، الذي قاوم كل النصائح لتغيير مساره الكارثيّ، يشرف على حربين: واحدة تدفع العالم نحو مواجهة نووية، والأخرى هي إبادة جماعيّة كاملة. ومن الواضح الآن لماذا لا يمكن لأحد أن يغير رأي بايدن بخصوص غزة. فلم يعد هناك شيء من عقله لتغييره.

لقد أخفى الديمقراطيون إصابة الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت بشلل الأطفال خوفًا من أن يبدو ضعيفًا، رغم أنّ عقله كان حادًا. في المقابل، وقف بايدن مستقرًا إلى حد كبير على ساقيه لمدة 90 دقيقة ليلة المناظرة، ولكن لم يكن هناك طريقة لإخفاء عقله الضعيف. حيث فشلَ في الشيء الوحيد الذي كان يتوجّب عليه فعله: ألا وهو إثبات كفاءته.

من غير المفهوم لِمَ ضغط فريق بايدن من أجل هذه المناظرة المبكرة. أيّ شخص كان حوله في السنتين الماضيتين كان يجب أن يرى انخفاض قدراته العقليّة ويعلم أنّ هذا هو الحال الذي ستؤول إليه الأمور. هل كانت تلك فرصة أخيرة لأن نُثبتَ لسياسيّ ضعيف مهووس بالسلطة أنّه ليس على مستوى التحدي؟ هل ستتخذ جيل بايدن أو أوباما القرار بأنه انتهى؟

كتب باراك أوباما على منصة إكس: «ليالي المناظرة السيئة تحصل. ثقوا بي، أنا أعرف ذلك. لكن هذه الانتخابات لا تزال خيارًا بين شخص قاتل من أجل الناس العاديين طوال حياته وبين شخص يهتم بنفسه فحسب. بين شخص يقول الحقيقة؛ شخص يعرف الصواب من الخطأ وسيخبر الشعب الأمريكي بالأمور بكل صراحة وشخص يكذب باستمرار لمصلحته الخاصة. الليلة الماضية لم تغير ذلك، ولهذا السبب، فهناك  الكثير من الأشياء على المحك في تشرين الثاني». يردد أوباما الدفاع الأخير عن بايدن، من أنه رغم عمره وعجزه، إلا أنه لا يكذب، خلافًا لترمب. لكن هذا فقط لأنه لم يعد يتذكر ما هي الحقيقة.

لكن فكرة أن بايدن لا يكذب هي بحد ذاتها كذبة. لقد كذب بشأن القبض عليه وهو يحاول رؤية مانديلا، وكذب بشأن اختياره للأكاديمية البحرية، وكذب بشأن اعتقاله بوصفه ناشطًا في الحقوق المدنية، وكذب بشأن عمله في قيادة شاحنة، وكذب بشأن وجود عمّ له أكله أكلة لحوم البشر، وكذب بشأن زيارته للعراق وأفغانستان 38 مرة، وكذب بشأن كتابة خطاباته بنفسه، وكذب بشأن رؤية أطفال مقطوعي الرأس، وكذب بشأن رؤية أطفال في الأفران، وكذب بشأن الاغتصابات الجماعية التي زعم أن حماس ارتكبتها، وكذب بشأن عدد القتلى في غزة، وكذب بشأن مَن يعرقل اتفاقه لوقف إطلاق النار، وكذب في المناظرة بشأن عدم موت أي جنود أمريكيين في أي مكان في العالم.

وفقًا لموقع أكسيوس، «فبايدن من الساعة العاشرة صباحًا حتى الرابعة مساءً يكون متفاعلًا بشكل يمكن الاعتماد عليه -وتُعقد العديد من فعالياته العامة أمام الكاميرات خلال تلك الساعات. أما خارج هذا النطاق الزمني أو أثناء السفر إلى الخارج، يكون بايدن أكثر عرضة للأخطاء اللفظية ويغدو متعبًا». أعتقد أن المصطلح غير التقنيّ لهذا السلوك هو مصطلح «متلازمة الغروب». أمّا المصطلح التقنيّ فهو الخَرَف. لكن لا داعيَ للقلق، إذ إنّ معظم الأزمات، تاريخيًا، حدثت بين الساعة العاشرة صباحًا والرابعة مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة. كل شيء على ما يرام. إذا استمر بايدن في حملة «جو نَشِطٌ من العاشرة حتى الرابعة»، ربما يستطيع تحقيق بعض التقدم من خلال الدعوة ليوم عمل مدته 6 ساعات لبقية أمريكا.

تطالبك حملة بايدن بألا تصدق ما ترى وتسمع، سواء كان ذلك متعلقًا بأجساد الأطفال المذبوحين في غزة أو أداء الرئيس الشبيه بالزومبي في المناظرات.

 

لكن رغم كل ذلك، ما تزال حملة بايدن متمسكة على ما يبدو بحصانها، أقصد مرشحها، في هذا السباق. إذ نقلت سي إن إن عن أحد مانحي الحزب الديمقراطي قوله «لا أظن بأن بايدن سيبرح مكانه. هذا هو الحصان العجوز الذي نملكه، ونحتاج أن نمتطي صهوته إلى أن يصل إلى مرحلة لا يكون بمقدوره الاستمرار أكثر ويتقاعد».

وفقًا لجين ماير، مؤلفة كتاب «الاكتساح» بالاشتراك مع دويل ماكمانوس، عن الولاية الأخيرة لريغان: فقد «كان موظفو ريغان قلقين جدًا من أن يكون قد فقد صوابه، لذا اختبروه سرًا، لمعرفة ما إذا كانوا بحاجة لتفعيل التعديل الخامس والعشرين [الذي يتيح عزل الرئيس في حال عدم أهليته]. بيد أن ريغان قال بعض النكات وأقنعهم بأنه بخير». هل سيلقي بايدن اللائمة على شيخوخته، إذا استُدعيَ يومًا ما أمام محكمة جرائم الحرب لدوره في تسليح الإبادة الجماعية في غزة، كما استخدم فريق ريغان مرضه العصبي ليزعموا أنه كان «غائبًا» عقليًا أثناء مؤامرة إيران/كونترا؟

يقول فرانكلين فوهر، الذي وثّق الولاية الأولى لبايدن في كتابٍ: «بالنسبة إلى مستشاريه المقربين، فجو بايدن شخصية متجمدة في الزمن… والاعتراف بنهايته يعني إثارة أزمة في حياتهم المهنية. فإذا لم أكن أهمس في أذن بايدن، فما أنا إذن؟». وصفت الكاتبة إيما بيركويست الحزب الديمقراطي بأنّه بمثابة «برنامج وظائف للأثرياء». هذا وصف جيد حقًا. إلا أنني أعتقد أنه من الأكثر دقة أن نقول إنه برنامج وظائف لأبناء الأثرياء العاطلين عن العمل.

بحسب آكسيوس، فقد ألقت الدائرة الداخلية لبايدن باللوم على الأعضاء الأصغر سنًا في فريق الإعداد للمناظرة، معتبرين أن بايدن «بالغ في الاستعداد واعتمد على التفاصيل الثانوية الدقيقة في الوقت الذي كان فيه العنفوان والطاقة هما كل ما يهم. لقد أعدوه للمناظرة الخاطئة». أية «تفاصيل دقيقة»؟ لم يكن بايدن منهمكًا في الحقائق. لكن كان ضائعًا وحسب. 

لم يفهم مساعدو بايدن لمَ قدم إجابة مختلفة تمامًا على سؤال العمر عن تلك التي أمضوا ما يزيد عن أسبوعٍ في إعدادها. لقد توقعوا أن يتصرف الرجل المختل بعقلانية تحت الضغط إلا أنهم تفاجأوا حين لم يفعل ذلك. أنني محتار في تقرير أي طرف هو الأقل أهلية لأداء وظيفته: هل هو بايدن أم موظفيه. 

بكل المقاييس، لم يكن إعداد بايدن للمناظرة مهمة سهلة. فبايدن صعب المراس في أحسن الأحوال وفي أسوأها يكون مسيئًا لموظفيه، وبالأخص حين يصححون كلامه أو يقدمون له أفكارًا أو مواضيع لا يلم بها. نقلت بوليتيكو عن مسؤول كبير في إدارة بايدن وصفه للكيفية التي يجري بها تقديم إيجاز للرئيس هذه الأيام: «الأمر يشبه أن تقول «لا يمكنك تضمين ذلك، لأنه سيغضبه»، أو «ضمّن هذا، سيلاقي استحسانه». الأمر أقرب لأن يكون اختبار رورشاخ، لا إيجازًا. فهو ليس بالشخص الدمث الذي يمكنك التواجد برفقته حين يطلع على الإيجاز. إنه أمر بالغ المشقة، والناس يرتعدون خوفًا منه… فهو لا يقبل نصح أحدٍ سوى تلك القلة من كبار مساعديه، وبالتالي يتحول الأمر لعاصفة مثالية تزيد عزلته أكثر فأكثر عن جهودهم الرامية للسيطرة على الوضع».

كان المستشار السياسي جيمس كارفيل شخصية محورية في العديد من الحملات الانتخابية للحزب الديمقراطي. أخبر كارفيل آكسيوس بأنه لم يرَ على الإطلاق بأن ترشح بايدن «فكرة بارعة»، كما توقع أن يكون بايدن خارج الانتخابات بحلول يوم الاقتراع. وأضاف بأن الرئيس لا يصغي إلا لقلة من الأشخاص. «ليس لديه مستشارين. بل لديه موظفين». وبعد مدة وجيزة من المناظرة، كتب مدير التصوير السابق في البيت الأبيض، تشاندلر ويست، على منصة إنستغرام: «لقد حان وقت رحيل جو». لاحقًا، أخبر ويست آكسيوس بأن «المناظرة لم تكن أول الأيام السيئة، ولن تكون آخرها». 

خلال المناظرة الديمقراطية عام 2019، تعرض جوليان كاسترو إلى هجوم شرس لتشكيكه في القوى العقلية لبايدن، حيث دُمرت مسيرته السياسية الواعدة بصورةٍ كبيرة نتيجة لذلك. والآن يشعر كاسترو بشيء من الشماتة: «لقد كانت التوقعات تجاه أداء بايدن منخفضة وبالرغم من ذلك فشل في تحقيقها. لقد بدا غير مستعد وضائعًا وغير قوي بما فيه الكفاية ليباري ترمب، الذي يكذب على الدوام، بفعالية». 

كتب آر تي ريباك، نائب رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية والعمدة السابق لمينيابولس، منشورًا على حسابه في فيسبوك، قال فيه: «يلتزم مسؤولونا المنتخبون الصمت على نحوٍ صادم على الملأ، خاصة بالنظر إلى أن عددًا منهم يعترفون سرًا بأن [سحب ترشيح بايدن] ينبغي أن يحدث. في حال خسرنا هذه الانتخابات لأنهم لا يمتلكون الشجاعة الكافية للقيام بما يدركون أنه يجب يُفعل، حينها سيهوي الجحيم والتاريخ على رؤوسهم كسندان». 

تطالبك حملة بايدن بألا تصدق ما ترى وتسمع، سواء كان ذلك متعلقًا بأجساد الأطفال المذبوحين في غزة أو أداء الرئيس الشبيه بالزومبي في المناظرات. 

على ضوء المناظرة، أجرت غريتشن ويتمر، حاكم ولاية ميشيغان، اتصالًا بالبيت الأبيض لإبلاغهم بتقييمها، قائلة بأنه «لم يعد بإمكان بايدن الفوز بأصوات ميشيغان». لقد تضاءلت فرصه للفوز في ميشيغان إلى حدٍ كبير، وذلك قبل المناظرة بسبب دعمه لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة. 

لكن الحال لا يقتصر على ميشيغان. إذ أن الاستطلاع الداخلي لحملة بايدن يُظهر بأن الحملة في حالة سقوط حر. فبحسب استطلاع أجرته شبكة سي بي إس نيوز، رأى 74% من الناخبين الأمريكيين المسجلين أنه لا ينبغي أن يترشح بايدن للرئاسة، بينما يعتقد 54% بأنه لا ينبغي أن يترشح ترمب للرئاسة. 

ووفقًا لآكسيوس، فإن خطة بايدن للبقاء تتمثل في التالي: تجاهل القلق المفرط حيال نتائج الانتخابات؛ استغلال استطلاعات الرأي بما يخدم حملته؛ التحذير من الفوضى الناجمة عن إعادة انتخاب ترمب؛ الحد من المعارضة داخل الحزب. إنها خطة بائسة، لكن ليس أمامهم خيار آخر. في الماضي، كان باستطاعتك أن تُجلس مرشحك ليُجري مقابلة معمقة تمتد لستين دقيقة ليثبت أنه ما زال يتمتع بوعيه الكامل. إلا أنه لا يمكنهم المجازفة بذلك مع بايدن، حتى في برنامج بين العاشرة والرابعة.

خلال حفل جمع تبرعات ضم كبار المانحين للحزب الديمقراطي في ماكلين في ولاية فرجينيا، عزا بايدن أدائه الركيك في أتلانتا إلى إرهاق السفر (Jet lag): «لم أكن حكيمًا للغاية، فقد قررت السفر حول العالم عدة مرات، ولا أعلم كم عدد النطاقات الزمنية التي مررت بها، أظن أنها 15 منطقة زمنية… لم أُصغِ لفريقي. ومن ثم رجعت وكدت أغفو على المسرح». لقد عاد بايدن قبل 12 يومًا سبقت المناظرة، كما أن السفر على متن طائرة رئاسية لا يزيد مشقة عن مشقة قضاء ليلة في فندق ريتز. ووفقًا للنيويورك تايمز، فإن «التحضيرات، التي استغرقت ستة أيام، لم تبدأ قط قبل الساعة 11 صباحًا كما مُنح السيد بايدن وقتًا لقيلولة بعد الظهيرة كل يوم». 

دافع وزير الأمن الداخلي في إدارة أوباما، جيه جونسون، عن بايدن على شاشة إم إس إن بي سي بالقول إن: «الرئاسة أكثر من رجل واحد… أفضّل جو بايدن في أسوأ أيامه وهو يبلغ من العمر 86 عامًا طالما كان محاطًا بأشخاص يدعمونه مثل أفريل هاينز وسام باور وجينا رايموندي، على ترمب في أي يوم». هذا ما قاله الرجل الذي دعم إرسال قوات مكافحة الشغب في شرطة نيويورك لقمع احتجاجات الطلاب في كولومبيا، التي يجلس في مجلس أمنائها في الوقت الذي يعمل فيه في مجلس إدارة شركة لوكهيد. إذا أردت شرعنة نظرية الدولة العميقة في السياسة، ما عليك سوى أن تدع أحد المحنكين في الدولة العميقة يقول بعدم وجود ما يدعو للقلق حيال وجود رئيس خَرِف لأن أعضاء الدولة في فريقه سيديرون الحكومة نيابةً عنه. 

لكن سياسة الدولة العميقة قد تكون سلاحًا ذو حدين. فالعديد من العاملين في وكالة الاستخبارات الأمريكية منذ أمدٍ بعيد غير راضين عن دعم بايدن أحادي الجانب لـ«إسرائيل» وقد بدأ بعضهم يسرب معلومات للفاينانشال تايمز في أشد لحظات بايدن ضعفًا. حيث نقلت الصحيفة عن مصدر مطلع أن بعض المسؤولين الذين يقدمون الإيجاز الاستخباراتي اليومي لبايدن لاحظوا تدهور حالته منذ العام الماضي. 

لقد بلغ الدفاع عن أداء بايدن في المناظرة في أتلانتا قدرًا من السوء فاق سوء أدائه في المناظرة، وهو ما يعيد التأكيد على الأسباب التي دفعت الناس لكره بايدن ودائرته المقربة، حتى قبل أن يتضح أن الرجل بات يهذي. يقول بيتر ويلش، السيناتور الديمقراطي من ولاية فيرمونت: «إنني انتقد الحملة بالفعل نتيجة موقفها الرافض تجاه الأشخاص الذين يطرحون أسئلة للمناقشة. وما هذا سوى مواجهة للواقع الذي نحن فيه». 

بالطبع، كان عدم اتساق بايدن ميزةً في أحيان كثيرة، وبصرف النظر عن الكارثة التي حدثت في أتلانتا، فإنه قد يستمر في كونه ميزة. فخلال مسيرة بايدن المهنية، أثبت الغموض بأنه أجدى من الوضوح. ففي حال أدرك الناس آراءه الحقيقة حيال دفع العالم إلى حافة حرب نووية في أوكرانيا والإبادة الإسرائيلية والهجرة والتضخم، فمن المحتمل أن يفقد المزيد من الناخبين. 

كان عضو الكونغرس لويد دوجيت من تكساس أول عضو ديمقراطي في الكونغرس يدعو بايدن إلى الانسحاب من السباق الرئاسي، (حيث يمثل دوجيت منطقة فاز بها بايدن بنسبة تقدر بـ50% من النقاط). قد يكون عقد مؤتمر ديمقراطي مفتوح لانتخاب مرشح جديد جاذبًا للمشاهدين ويضفي شيئًا من الإثارة على حزب يبدو أنه يحتضر. 

قد يتوجب على بايدن الرحيل فعلًا. غير أن السؤال الأخلاقي المحدد لرئاسته تمثل بدعمه للإبادة في غزة. وقد أُجيب على هذا السؤال بالفعل.