لطالما كان المغرب بلدًا زراعيًا يعتمد بشكل أساسي على الفلاحة والصيد البحري، إلا أن العقود الأخيرة شهدت تحولًا تدريجيًا نحو التصنيع، حيث أصبحت الدولة تراهن على القطاع الصناعي كخيار استراتيجي لتحقيق التنمية الاقتصادية وتقليل التبعية للخارج، لكن هل يمكن للمغرب أن يصبح قوة صناعية حقيقية تنافس على المستوى العالمي، أم أن العقبات والتحديات لا تزال تحول دون تحقيق هذا الطموح؟
لا يمكن إنكار أن المغرب قطع أشواطًا مهمة في المجال الصناعي، حيث استطاع استقطاب استثمارات ضخمة في مجالات حيوية مثل صناعة السيارات والطيران والإلكترونيات، كما أن المناطق الصناعية أصبحت تنتشر في مختلف المدن الكبرى مثل طنجة والدار البيضاء والقنيطرة، مستفيدة من موقع جغرافي استراتيجي بين أوروبا وإفريقيا، بالإضافة إلى اتفاقيات التجارة الحرة التي تربط المغرب بالعديد من الدول، مما جعله قاعدة صناعية جذابة للشركات العالمية، لكن رغم هذه الإنجازات، لا يزال هناك تساؤل حول مدى قدرة البلاد على تحقيق اكتفاء صناعي حقيقي بدل أن يكون مجرد مركز تجميع يعتمد على المواد الخام المستوردة
التجربة الناجحة في قطاع السيارات، حيث أصبح المغرب من بين الدول الرائدة في تصدير السيارات نحو أوروبا وإفريقيا، تثبت أن البلاد تمتلك المقومات اللازمة للنجاح الصناعي، فقد تمكنت مصانع مثل “رونو” و”بيجو” من إنتاج مئات الآلاف من السيارات سنويًا، واستطاعت الشركات المغربية تطوير صناعة أجزاء السيارات، مما عزز سلاسل التوريد المحلية، لكن التحدي الأكبر يظل في نقل هذه التجربة إلى قطاعات أخرى، مثل الصناعات الثقيلة وصناعة التكنولوجيا المتقدمة، فالتصنيع الحقيقي لا يقتصر على التجميع، بل يشمل تطوير الصناعات الأساسية التي توفر المواد الأولية اللازمة للإنتاج
رغم التقدم الحاصل، لا تزال الصناعة المغربية تواجه تحديات كبيرة، على رأسها ضعف البحث العلمي والتطوير، حيث إن معظم الشركات تعتمد على التكنولوجيا المستوردة بدل أن تستثمر في الابتكار المحلي، كما أن البيروقراطية الإدارية والفساد يشكلان عائقًا أمام جذب الاستثمارات، إذ يعاني المستثمرون من بطء الإجراءات وتعقيد المساطر القانونية، هذا بالإضافة إلى ضعف التكوين المهني، حيث تظل هناك فجوة بين متطلبات السوق الصناعي وبين كفاءة اليد العاملة، مما يجعل بعض القطاعات تعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية في الوظائف التقنية المتقدمة
الطموح الصناعي للمغرب لا يمكن أن يتحقق دون رؤية واضحة تعتمد على دعم الصناعة المحلية بدل التركيز فقط على جذب الاستثمارات الأجنبية، فالصناعات الكبرى مثل صناعة الطائرات والسيارات تحتاج إلى منظومة متكاملة تشمل تطوير الصناعات التحويلية والمواد الخام، وهذا يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية الصناعية، إضافة إلى تحفيز الشباب على الابتكار والتوجه نحو ريادة الأعمال في المجال الصناعي، بدل الاقتصار على الوظائف التقليدية ذات الدخل المحدود
إن المغرب أمام فرصة حقيقية للتحول إلى قوة صناعية، خاصة مع التوجه العالمي نحو تقليل الاعتماد على الصين كمصنع للعالم، وهو ما قد يدفع العديد من الشركات إلى البحث عن بدائل صناعية قريبة من أوروبا، لكن تحقيق هذا الحلم يتطلب إصلاحات هيكلية، سواء من حيث تحديث القوانين، أو تحسين مناخ الأعمال، أو تطوير الكفاءات المحلية، وإلا فإن البلاد ستظل مجرد مركز إنتاجي تابع للشركات الأجنبية بدل أن تكون قوة صناعية مستقلة، لذلك يبقى السؤال مطروحًا حول مدى قدرة المغرب على تحقيق هذا التحول، وهل سيتحول الحلم الصناعي إلى حقيقة أم سيظل مجرد مشروع مؤجل؟