انتفاضة قبائل آيت باعمران.. محطة تاريخية زاخرة بالأمجاد وروائع الكفاح الوطني
وتعد هذه الذكرى التي تخلدها ساكنة إقليم سيدي إفني وفي طليعتها أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، محطة تاريخية تزخر بالأمجاد وروائع الكفاح الوطني، وتطفح بالملاحم والبطولات التي سطرها رجال ونساء قبائل آيت باعمران لمواجهة الاحتلال الأجنبي والتسلط الاستعماري.
فذكرى 23 نونبر 1957، التي تتزامن مع الذكرى 67 لانطلاق عمليات جيش التحرير بالجنوب المغربي، تعد يوما خالدا في تاريخ المغرب حينما انتفضت قبائل آيت باعمران ضد الوجود الاستعماري وخاضت نضالاتها الوطنية في معارك طاحنة لقنت خلالها المحتل الأجنبي دروسا في الشجاعة والشهامة والصمود.
وشهد هذا اليوم هجومات مركزة على 16 مركزا إسبانيا في آن واحد تراجع على إثرها الجنود الإسبان إلى الوراء ليتحصنوا بمدينة سيدي إفني.
وقد دامت هذه المعارك البطولية حتى يوم 12 دجنبر من نفس السنة، تكبدت خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد بالرغم من قلة عدد المجاهدين الباعمرانيين ومحدودية عتادهم الحربي.
وفي استرجاع تاريخي لمسارات ومراحل هذه الانتفاضة، كان الباعمرانيون قد شنوا في 23 نونبر 1957، انتفاضتهم الكبرى ضد الإسبان بعدما تأججت المقاومة بمنطقة سيدي إفني واندلعت عدة معارك، فحققت هذه الانتفاضة انتصارات في عدة مناطق منها تبلكوكت، وسيدي محند بن داوود، وبيزري وبورصاص، وبيجاريفن، وتيوغزة وصبويا وغيرها، أجبرت القوات الإسبانية على التقهقر إلى مركز سيدي إفني الذي أصبح بمثابة ثكنة عسكرية كبرى محاصرة.
وقد جاءت هذه الانتفاضة بعد تنسيق محكم بين قبائل آيت باعمران وقيادة جيش التحرير بمدينة كلميم، فاستمرت المقاومة والجهاد من خلال عدة محطات أهمها محاربة التجنيس التي حاولت السلطات الإسبانية أن تفرضه على سكان هذه القبائل لطمس هويتهم الدينية والوطنية، فانتفض كل الباعمرانيين ضد هذه المحاولة التي اعتبروها ضربا في وطنهم وهويتهم المغربية وديانتهم الإسلامية.
وعلى الرغم من جميع أنواع القمع والاضطهاد التي تعرض لها أبناء هذه الربوع المجاهدة، فإن شعلة المقاومة لم تخمد وتكونت خلايا سرية استقطبت أبناء المنطقة إثر أحداث 20 غشت 1953 غداة نفي بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس ورفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني والأسرة الملكية الشريفة.
وعندما عاد المغفور له الملك محمد الخامس من المنفى وأعلن عن استقلال المغرب ولم يتم الإعلان عن استقلال سيدي إفني، قام أهالي أيت باعمران بالرغم من ذلك بالتحضير للاحتفال بعيد العرش وبالعودة المظفرة للمغفور له محمد الخامس، إلا أن السلطات الاستعمارية الإسبانية واجهت هذه المحاولات بالقمع والتنكيل والنفي إلى جزر الخالدات.
كل هذا ولد الضغط، فتم التخطيط لانتفاضة أيت باعمران يوم 23 نونبر 1957 من طرف قيادات جيش التحرير، مما أدى إلى تأجيج المقاومة بمنطقة سيدي إفني التي أصبحت نقطة انطلاق عمليات جيش التحرير وهجوماته، فاندلعت عدة معارك كمعركة الرغيوة في 13 فبراير 1957 ليشن الباعمرانيون بعد ذلك انتفاضتهم الكبرى ضد الإسبان (23 نونبر).
لقد كانت منطقة سيدي إفني بحكم موقعها الاستراتيجي محط أطماع استعمارية نظرا لكونها بوابة بحرية مؤهلة للإنزال العسكري والعمليات الحربية ولطبيعة أرضها الصالحة لهبوط الطائرات وتضاريسها التي تجعل منها حصنا يطل على امتدادات شاسعة من عمق تراب آيت باعمران والأقاليم الجنوبية عموما، ولذلك حطت بها جيوش الاحتلال كل ثقلها منذ سنة 1934 وعززت وجودها بكثافة في هذه المنطقة.
كما عملت قوات المستعمر على إضفاء وظيفة سياسية وإدارية على هذه المدينة عندما أعلنتها “منطقة إسبانية” وجعلتها مقرا للحاكم العام، بيد أن انتفاضة قبائل آيت باعمران سنة 1957 جعلتها تغدو مجرد قوات تحت الحصار فيما يشبه ثكنة عسكرية.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قال النائب الإقليمي للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بسيدي إفني، المختار الإدريسي، إن انتفاضة قبائل أيت باعمران شكلت ملحمة تاريخية بارزة وتعد من أنفس المعارك الوطنية التي خاضها الشعب المغربي دفاعا عن المقدسات والثوابت الوطنية، مضيفا أن يوم 23 نونبر 1957 هو يوم خالد في تاريخ المغرب ومنعطف حاسم في مسار استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية.
وأبرز أن تخليد هذه الذكرى مناسبة لاستحضار الانتفاضات العارمة والمواقف البطولية لقبائل أيت باعمران التي أبلت البلاء الحسن في معركة التحرير لمواجهتها كل المخططات الاستعمارية التي حاول من خلالها المستعمر الإسباني طمس الهوية بهذه المنطقة من الجنوب المغربي وإخماد جذوة المقاومة بها وذلك من خلال محاربتها لقانون التجنيس التي حاولت إسبانيا أن تفرضه على ساكنة المنطقة سنة 1947 مع الرحلة الميمونة لجلالة المغفور له محمد الخامس لمدينة طنجة لمطالبة المنتظم الدولي بأحقية المغرب في استقلاله وسيادته على باقي ترابه الوطني.
وتبقى انتفاضة قبائل آيت باعمران معلمة بارزة في تاريخ الكفاح الوطني، وستظل شاهدة على تشبث أبناء هذه القبائل المكافحة بمقدسات الأمة المغربية وتعلقهم الدائم بالعرش العلوي المجيد.
وبهذه المناسبة الوطنية، أعدت النيابة الإقليمية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، برنامجا احتفاليا يتضمن مهرجانا خطابيا يوم غد الخميس، تلقى خلاله كلمات وشهادات تستحضر أمجاد وروائع كفاح قبائل أيت باعمران.
كما سيتم تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وتوزيع إعانات مالية تهم التشغيل الذاتي وإحداث تعاونيات لفائدة أبناء قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وكذا إعانات مادية لعدد من ذوي حقوق المتوفين.
وسيتم بالمناسبة ذاتها، إزاحة الستار عن معلمة تذكارية بالجماعة الترابية تيوغزة، تخلد لجهاد المنطقة والكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال والوحدة الترابية.