جيف ياس مليار دير في خدمة المسيحة الصهيونية
منذ حوالي عام، أصدرت مجموعة من المنظمات غير الحكومية في بنسلفانيا تحذيرا على موقع بنسلفانيا كابيتال ستار الإخباري، تعلن فيه دخول جيف ياس المشهد السياس في أمريكا، معتبرة أن ذلك يمثل مشكلة تواجهها الديمقراطية. أرادت المجموعة التحذير من طريقة استخدام ياس لثروته الهائلة، التي تتراوح ما بين 27 و40 مليار دولار، كأداة للتأثير على التوجهات السياسية التي تخدم مصالحه.
بعد مرور عام تحقق الجزء الأول من هذا التنبؤ، فبات اسم جيف ياس يتدوال بكثرة في وسائل الإعلام، غالبا في علاقة بأوساط الرئيس السابق دونالد ترامب، وحول ملفات أخرى أيضا. أما بخصوص ما إذا كان يشكل تهديدا للديمقراطية، فالأمر غير محسوم بعد.
من محبي تيك توك وتروث سوشل
ساهم الملياردير ياس في تغير غير متوقع لوضعية دونالد ترامب، فقد تكون ثروة الرئيس السابق قد زادت بحوالي خمس مليارات دولار منذ دخول منصته الاجتماعية “تروث سوشل” Truth Social البورصة يوم الثلاثاء 26 آذار/مارس.
فقد كان جيف ياس أهم مستثمر عند تأسيس شركة ديجيتال وورلد أكويزيشن كورب Digital World Acquisition Corp، وهي الوسيلة المالية التي مكنت عبر انصهارها مع تروث سوشل Truth Social، بإدراج الشبكة الاجتماعية في البورصة.
وكان صندوق تروث سوشل الاستثماري المتمثل في سوسكويهانا إنترناشنل غروب Susquehanna International Group (SIG)، يحوي نحو 22 مليون دولار من الأسهم في شركة ديجيتال وورلد أكويزيشن كورب Digital World Acquisition Corp في شهر كانون الأول/ديسمبر 2023.
وقد سمح ذلك بزيادة قيمة هذه الشركة (SIG) قبل اندماجها مع شركة تروث سوشل Truth Social. ولكن نفت شركة (SIG) أن يكون للاستثمار دلالة سياسية، وأكدت أنها تسعى فقط “لتحقيق أرباح في السوق”. لكن بالنسبة لدونالد ترامب، الذي ما فتئ يتشكى في الأسابيع الأخيرة من صعوبة الحصول على المال لدفع غراماته في قضيتين قانونيتين، فإن نجاح تروث سوشل في سوق الأسهم يشكل انفراجة مالية كبيرة. فالرئيس الأمريكي السابق يمتلك حوالي 60% من شبكة التواصل الاجتماعي تروث سوشل، التي تبلغ قيمتها أكثر من 8 مليارات دولار.
ويبدو أن جيف ياس مرتبط أيضا بمفاجأة أخرى “صنعت في دونالد ترامب”. فقد عارض المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية 2024، في 11 مارس/آذار الماضي، قانونا يهدف إلى حظر “تيك توك” في الولايات المتحدة، على الرغم من أنه حاول دون جدوى التخلص من المنصة الصينية في العام 2020 خلال عهدته.
هذا المنعطف أثار حيرة المحللين السياسيين. فهل أراد دونالد ترامب من خلال معارضته لقانون حظر تيك توك أن ينتقم من مارك زوكربيرغ، مؤسس فيس بوك المشتبه في معاداته للرئيس الأمريكي السابق…؟
لكن سريعا ما طفى على السطح مؤشر آخر على علاقة الملياردير بهذا التحول: فقبل تغيير رأيه المفاجئ بأسابيع قليلة، التقى دونالد ترامب بجيف ياس خلال اجتماع نظمه “نادي النمو” Club for Growth، وهو إحدى المنظمات المحافظة الأمريكية الأكثر نفوذا في البلاد.
ويشار أن مجموعة سوسكويهانا الدولية (SIG) هي واحدة من أهم المستثمرين الأمريكيين في “بايت دانس” ByteDance، الشركة الصينية الأم لمنصة تيك توك.
بل وكان جيف ياس أول أمريكي، منذ العام 2012، يراهن على المجموعة الصينية، وذلك عبر صندوقه الاستثماري (SIG). ولم تكن منصة تيك توك موجودة آنذاك. أما اليوم، فيمتلك الصندوق الاستثماري (SIG) %15 من “بايت دانس” ByteDance، كما تعود 7% من أسهم “بايت دانس” لجيف ياس شخصيا.
وترجح صحيفة وول ستريت جورنال أن قانونا يحظر منصة تيك توك التي يستخدمها حوالي 150 مليون شخص في الولايات المتحدة، سيكبد غالبا جيف ياس خسارة تعد بالمليارات.
من سباق الخيول إلى سباق الأسهم… “تهديد ياس”
وعلى الرغم من نفي دونالد ترامب أنه تطرق إلى ملف تيك توك خلال لقائه مع جيف ياس. لكن ملياردير بنسلفانيا لا يبخل بوضع أمواله في خدمة السياسيين الذين يعارضون بشكل علني الحظر المفروض على تيك توك، كما تقول وول ستريت جورنال.
ويذكرنا تحرك ياس على المستوى الوطني الأمريكي، إذ أصبح أكبر متبرع في الانتخابات الرئاسية للعام 2024 وفقا لإحصاءات رويترز، بما كان قد قام به في ولاية بنسلفانيا.
ففي هذه الولاية التي تقع شمال شرق الولايات المتحدة، وُجهت له أصابع الاتهام باستخدام ثروته لمنع انتخاب السياسيين المؤيدين لزيادة الضرائب المحلية. وتأسفت مجموعة المنظمات غير الحكومية التي تدين ما تسميه “تهديد ياس” على موقع صحيفة بنسلفانيا كابيتال ستار قائلة “منذ سنوات، نشاهد في ولاية بنسلفانيا عرض جيف ياس وهو يستغل القوانين المتراخية جدا بشأن التمويل السياسي لدعم مفضليه من رجال السياسة “.
وقد بنى جيف ياس (68 عاما) ثروته في بنسلفانيا، وهي الولاية التي ينحدر منها جو بايدن أيضا. في بادئ الأمر كان ياس يهتم بالخيول في الثمانينيات، إذ قام رفقة أصدقائه بتطوير خوارزميات تساعد في الفوز في الرهانات. ونجحوا في الفوز بأكثر من 700 ألف دولار دفعة واحدة، وهو “أكبر مكسب في تاريخ سباق الخيول في الولايات المتحدة”، وفق ما أكدته الصحيفة الاستقصائية بروبوبليكا ProPublica في تحقيق حول جيف ياس نُشر على موقعها في حزيران/يونيو 2022.
كما استخدم ياس المولع بالرياضيات نفس الطريقة لتأسيس مجموعة (SIG) وهي صندوقه الاستثماري المتخصص في رهانات سوق الأسهم، فهي قائمة على ديناميكية قوية للخوارزميات. وكان الملياردير واحدا من الأوائل الذين استخدموا هذه الطريقة، وأصبح من القلائل الذين كسبوا مالا عند انهيار سوق الأسهم في العام 1987. ومنذ ذلك الحين، ظلت ثروته في نمو مستمر.
أموال في خدمة اليمين المتشدد ومؤيد لنتانياهو
لا يسخّر جيف ياس أمواله لدعم السياسيين الذين يمكنونه من حماية مصالحه المادية فحسب، بل ويستخدمها أيضا كسلاح إيديولوجي. ويعرف نفسه بأنه “تحرري” -مفهوم يشير إلى لعب الدولة دورا ضئيلا جدا في مجال الاقتصاد- لكن تبرعاته الانتخابية تذهب بالأساس إلى السياسيين المنتمين إلى اليمين المتشدد، على غرار دونالد ترامب.
ويعد ياس الممول الرئيسي لـ”نادي النمو”، الذي دعم 42 مرشحا جمهوريا ممن شككوا في نتائج الانتخابات الرئاسية للعام 2020 أو أيدوا علنا الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/يناير 2021، وفق ما أكدت الصحيفة البريطانية ذي غارديان.
وللعلم فإن جيف ياس لم يكن من أوائل المنحازين لمعسكر “أنصار ترامب” ولم يعلن أبدا رسميا دعمه للمرشح الجمهوري. فقبل أن يسعى إلى تعديل ساعة دونالد ترامب على توقيت تيك توك، ساهم في تمويل العديد من منافسيه خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري للعام 2024، بمبلغ 47 مليون دولار، وفق قناة NBC الأمريكية.
هذا الملياردير لا يهتم بالسياسة الأمريكية فحسب. هو من ديانة يهودية، ووضع أيضا ثروته في خدمة رئيس الوزراء اليميني المتشدد الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. وبالتحديد، فهو أحد الممولين الرئيسيين لـ”منتدى كوهيليت السياسي” Kohelet Policy Forum، وهو مركز تفكير إسرائيلي محافظ متشدد، وفق ما ذكرت فرانس24 في شباط/فبراير 2023.
فإذا كانت صورة جيف ياس قبل بضع سنوات، صورة صانع ملوك في بنسلفانيا، فيبدو أنه قرر توسيع آفاقه.