الأنتروبولوجي عمر بوم يقدم اخر اصداراته الرقاص الاخير بالمعرض الدولي للكتاب
اونكيت ميديا 24
في هذا المؤلف الصادر باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، يرصد عمر بوم، في 24 فصلا، حياة والده الراحل فراجي بن لحسن بن بورحيم بن بوم الذي كان، على الأرجح، من آخر الرقاصين بالمغرب، سعاة البريد الذين حملوا الرسائل سيرا على الأقدام قبل ظهور خدمة البريد.
هذه القصة العائلية والتاريخية، التي تسلط الضوء على مهنة غير معروفة لدى الأجيال الشابة في العصر الرقمي، بغرض تقاسمها، تشارك في سردها برسومات تصويرية، مجدولين بوم ميندوزا، وهي ابنة المؤلف ذات الأربعة عشر ربيعا، والمزدادة في الولايات المتحدة.
ومن خلال إصداره، يمد المؤلف وابنته جسرا بين ثلاثة أجيال، حيث يتداخل تاريخ عائلتهما وتاريخ المغرب العريق، مسلطين الضوء على فترات غير معروفة من ماضينا.
وجاء في مقدمة المؤلف، “فراجي، الرقاص الأخير، أو ساعي بريد ينقل الرسائل مشيا، قطع آلاف الكيلومترات من قريته الصغيرة في جنوب المغرب، عاش طيلتها فترات من المجاعات والحروب، ومجموعة كاملة من الحكايات التي قصها علينا، والتي قمنا هنا بنسخها ونقلها”.
وأكد عمر بوم، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “الرقاص الأخير” هو “سيرة عائلية وسرد لاحداث تاريخية من وجهة نظر قروي بسيط من الجنوب الشرقي للمغرب”.
ويوضح المؤلف “أنا ومجدولين نستخدم الصوت الإثنوغرافي لفراجي – والدي وجد ابنتي – لنروي قصة محلية تم السكوت عنها أو إهمالها. ويصبح فراجي ومنطقة طاطا، من هذا المنطلق، نقاطا أساسية في تاريخنا تروي تاريخ المغرب”.
وتعتبر مسألة التوارث أمرا محوريا في عمل هذا المؤرخ الأنثروبولوجي الذي يدرس في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، بالإضافة إلى مساهماته كأستاذ مشارك في جامعة الرباط الدولية.
وبحكم عمله في مجال التعليم، أكد المؤلف إيمانه بأهمية الرسالة ووسائل نقلها لنجاح توارث المعارف بين الأجيال، مبرزا أنه كمغربي مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، يؤمن، أيضا، بأهمية الحفاظ على الأواصر التي تربطه ببلده ووالديه وعائلته، وكأب فإنه حريص على الحفاظ على الروابط التي تجمع بين ابنته والواحة التي تنحدر منها.
ويرى أن مؤلفه هو “تمرين أدبي وفني لتوارث ليس فقط ذاكرة العائلة، بل تاريخ الوطن أيضا”، مضيفا أن استخدام الكتب المصورة أو القصص المصورة أصبح اليوم مطلبا للتمكن من إشراك جيل الشباب المرتبط على نطاق واسع بالصور وبكل ما هو بصري.
وبالنظر إلى مهنة والده الرقاص، فمن الواضح أن قصته تعود إلى “أصول البريد المغربي” منذ الحقبة الاستعمارية، حيث ظل اللجوء إلى خدمات الرقاص أساسيا في العديد من مناطق المغرب، حتى استخدام التلغراف. كان المغرب حينها لا يتوفر على الطرق والسكك الحديدية.
وعلى خطى فراجي والرحلات المتعددة التي قام بها سيرا على الأقدام أو على ظهر حمار، “رفيقه الوفي”، لإيصال رسائل مكتوبة أو شفهية إلى وجهتها، متحديا الأخطار والعقبات العديدة التي اعترضته، يعتبر هذا العمل اطلالة جديدة على التاريخ العريق للمغرب.
ويتوقف السرد عند فترات طويلة من الماضي الاستعماري وصولا إلى الاستقلال وملحمة المسيرة الخضراء، مرورا بتحول النموذج الفلاحي المغربي، على خلفية تعاقب فترات الجفاف، خاصة في مناطق واحات الجنوب، والخصوصيات الثقافية المحلية وتنوع وانفتاح المجتمع المغربي.
وبالنسبة للمؤلف، فإن “الرقاص الأخير”، كان شاهدا على العديد من الأحداث المحلية والإقليمية والعالمية، وبالأساس حكاية ساعي بريد عاش التاريخ المغربي من ثلاثينيات القرن العشرين إلى عام 1975، بحس وطني عالٍ، وهو ما تجلى بشكل خاص في مشاركته في المسيرة الخضراء، مبرزا أن الأمر يتعلق بقصة قصيرة لا تتقيد بمعايير الكتابة التاريخية التي لا تركز على الأشخاص العاديين.
ويعتمد كتاب عمر بوم، الغني من حيث التوثيق، بالإضافة إلى أحاديث مع فراجي وماهرة زوجته وقرويين آخرين من الأطلس الصغير، على وثائق أرشيف من فترات ما قبل، وإبان، وما بعد الاستعمار، وهي أبحاث أنجزت في مؤسسات مختلفة حول العالم، منها أرشيف المغرب، ومركز نانت للأرشيف الدبلوماسي، ومكتبة جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس.
وفي تقديمه لهذا للعمل، يرى رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، إدريس اليزمي، أن عمل عمر ومجدولين بوم يعد بكل بساطة “درسا رائعا في التاريخ، يدعونا إلى العودة، بفضل تكريم آخر رقاص، الى بعض النقاط الخفية في ماضينا القريب بما في ذلك قضايا التمييز ولون البشرة والعنصرية والعبودية وما إلى ذلك”.
واعتبر أن المؤلف يتناول “إشكالية أساسية في نظر الآباء، ولاسيما بالنسبة للأسرة المهاجرة، والمتمثلة في التوارث بين الأجيال”.
المؤرخ الأنثروبولوجي عمر بوم حاصل على كرسي موريس أمادو للدراسات السفاردية في قسم الأنثروبولوجيا وقسم التاريخ وشعبة لغات وثقافات الشرق الأدنى بجامعة كاليفورنيا، هو أيضا ناشر مشارك للعديد من المجلات، وأحد مؤسسي مبادرة الدراسات الأمازيغية في شعبة لغات وثقافات الشرق الأدنى بجامعة كاليفورنيا، ومدير مشارك لمبادرة الدراسات اليهودية المغربية في نفس الجامعة.