جريدة

واقع الصحافة الحديتة

أونكيت ميديا 24

نُون والقلم ومايسطرون…حينها كانت للمقالات الصحفية الوقع والأثر وعُشاق القراءة والتحليل والنثر والشعر، حينها كانت الصحافة الورقية، وكان الصحفي والمراسل والمتعاون، ممن يفككون شفرات اللغة العربية ويسبحون في غَيَابات الفكر السياسي والاقتصادي والتحليل الأكاديمي، حينها كانت للكلمة معنى وللحرف مثل ذلك، لامجال فيها للخطأ أو ” الكوبي كولي”، أو ” الاعتداء على لغة الضاد” اللغة العربية الأم…

 

 

 

 

نُون والقلم وما يكتبون، حينها كان المرء يُداعب سيجارته على نغمات الموسيقى الهادئة داخل مقهى الدرب أو الحي، يرتشف فنجان قهوته الساخنة المفضلة متصفحا مقالات صحفية وتحليلات عميقة لكُتَّاب رأي يُقام لهم ولا يُقعد، لهم باع طويل ومكانة لدى النخبة المثقفة، كان المرء يجد في الإعلام ضالته والخبر اليقين الذي يطبع كاتبه طابع التريث والرزانة والبعد التبصري والتكوين العلمي بلغة سليمة…

 

 

ذهب القلم، وذهبت الكتابات، وذهبت معها الكفاءات والتكوين المعرفي والأكاديمي، واختلطت الآثار حتى ظهر مثقفو آخر الزمان، ممن وجدوا في الصورة والفيديو السرعة الزائدة، ولأن السرعة تقتل، فقد قتلت فينا جميعا حب ” المهنة المقدسة”، وضاع الخبر وانشق الصف الإعلامي وانهار جداره، وتسلق إلى كُنه حقله كل من هب وذب، وصار كل من يحمل هاتفا أو حاملته المهترئة، يُلقب بالصحافي والإعلامي، وبات المسؤول ممن يحمل في بطنه ” عجينة” يلقب صاحبنا هذا ب”الأستاذ”، “تفضل يا أستاذ…”، وهو في الأصل يجهل حتى عدد الحروف الهجائية…

 

 

ذهب القلم، وذهبت معه الكتابات، وجِيء بصُناع التفاهة، وأركبهم بعض المسؤولين ممن ” يخافون من الفضيحة”، أركبوهم على خيول بدون سُروج ظنا منهم أنهم أصبحوا فرسان آخر زمان، فملؤوا الميدان، وقدَّموا أنفسهم بأنهم أصحاب الأرض والمكان، والمتحكمين في عقارب الزمان…

 

 

ذهب القلم، وذهبت معه الكتابات، وجاء ملتقطو الصورة والفيديو، ممن وجدوا الساحة فارغة بفراغ أصحابها الحقيقيين الذين تواروا إلى الوراء، وتركوا ” التيران خاوي” لهؤلاء الإعلاميون الجدد الذين استفادوا من شساعة مساحة حرية التحرك داخل دواليب مواقع التواصل الإجتماعي واسعة، فجالسوا الكبار قبل الصغار، واستجوبوا وساءلوا دون اعطاء السؤال، فأكسبهم المُساءَلون الشرعية وأجلسوهم على كراسي الشرف، ومنهم من بات يلعب دور المستشهر لمشاريعه وفكره وبرنامجه، ومنهم من انغمس في الترويج لمنتوجات أو محلات أو شركات أو ماشابه ذلك، يؤثث المشهد بالندوات واللقاءات يزاحم ويتطاول على ممثلي منابر إعلامية بعينها، منهم من يحصدون الملايين من المشاهدات متصدرين المواقع كمؤثرين صانعين للتفاهات…

 

 

ففقدت الصحافة مكانتها في أرضها وملعبها وميدانها وأمام جمهورها…وبات أصحابها الحقيقيون ينظرون إلى المشهد الجديد بطرف خفي يتحسرون ينذبون حظهم العاثر على زمن قد فات…

 

 

ذهب زمن القلم ومايسطرون، وجاء زمن الكاميرا وما يُصورون، وجيء بكائنات بشرية لا تُتقن سوى التزاحم والتدافع والتنابز وقلة الأدب، وبات همُّ أصحابها السرعة في نشر التفاهة دون التحقق من مدى صحتها، ينشرون الفتن يقتحمون المجالس يكشفون العورات لجمع اللايكات والمشاهدات، دون أن يكلفهم ذلك لا تكوين علمي ولا معرفي ولا أكاديمي…

 

 

فعلا إنهم أمِيُّو آخر الزمن…

 

 

ما يقع على عاتق شرفاء ” مهنة الصحافة” أن يعيدوا ترتيب البيت الداخلي، وأن يدفعوا بمثل هذه الكائنات الدخيلة على المهنة خارجا، بل وخارج نطاق عمل “الاعلامي والصحافي والمراسل والمتعاون القاري”….

 

 

ما يقع على شرفاء مهنة الصحافة، يا من تعلم على أيديهم الكثير، يا من كنتم شموعا تُضيء الطريق، وتدافع عن المظلوم وتُحِّق الحق وتُزهق الباطل، يا من رفعتهم القلم نُصرة للمظلومين في وجه الظالمين، يا من كنتم تُمتِّعون القارئ بتحليلاتكم وكتاباتكم القيمة….رجاء دافعوا عن مهنة الشرف والكلمة الصادقة، وقِفوا سدا منيعا أمام طفيليات آخر زمان ممن اقتحموا دياركم وعاثوا في مهنة الإعلام والصحافة فسادا، فأفقدوها بريقها ودورها وسلطتها كسلطة رابعة…

 

 

رجاء حرروا ميدانها لتلعب دورها أمام جمهورها المتعطش. للكتابات…أعيدوا للقلم هيبته وللكلمة معناها…