ضدا على التوجيهات الرسمية للدولة المغربية التي تنص على تشجيع الاستثمار، أصدر مجلس جماعة “سوق الخميس دادس” قرارا يقضي بالإغلاق المؤقت لمشروع سياحي يهدف إلى النهوض بالتنمية المجالية وخلق فرص استثمارية تشجيعا للسياحة بالمغرب، وضخا لمناصب شغل قارة تقلص من نسبة البطالة.
قرار الإغلاق المؤقت المطبق على “دار الضيافة قصبة آيت قاسي” والصادر عن مجلس جماعة “سوق الخميس دادس”، الموقع من طرف رئيس المجلس الجماعي، يوسف أغزاف، بتاريخ 13 يناير 2023، الحامل لرقم 01/2023، لقي شجبا واستنكارا من قبل فعاليات المجتمع المدني لآثاره السلبية على الدورة الاقتصادية، وعلى التنمية المجالية، وعلى سوق الشغل باعتباره ساهم في بطالة يد عاملة كانت تشتغل داخل الدار، فضلا عن عدم تأسيسه على إطار قانوني يعطيه المصداقية في التنزيل، على اعتبار أن المشروع مرخص من قبل الأجهزة السياحية المسؤولة، كما أن الدار منح لها تصنيف من قبل وزارة السياحة، إضافة إلى كون “دار الضيافة قصبة آيت قاسي” تشتغل منذ عام 2006، ولم يعترض عملها أي عائق، بل أن المصادر المرتبطة بالملف ترجع إثارة هذا الوضع الشاد إلى خلاف لا علاقة له بالاستثمار ولا بالتنمية المحلية والتنمية المستدامة، بل بقرار ذاتي يدخل ضمن تصفية حسابات، فضلا عن كونه يضرب في العمق الاستراتيجية العامة للدولة المشجعة للاستثمار.
أكثر من 10 هيئات من المجتمع المدني بتنغير أكدت من خلال بيان مشترك صادر عنها، تتوفر جريدة “أصوات” على نسخة منه، عن تضامنها مع صاحب المشروع، مذكرة الجهات المسؤولة بالتوجيهات الملكية السامية الصادرة والتي تحث على صيانة التراث المادي واللامادي، والتي وصفت قرار الإغلاق ب “التعسفي” لكونه مناف لمبدأ العدالة المجالية، ويعاكس التوجيهات الرسمية الداعية إلى تثمين المؤهلات الطبيعية والسياحية والإيكولوجية، مطالبة بتنزيل تنفيذ برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتفعيل دور الهيئات الاستشارية لدى المجالس المنتخبة، والتقيد بدورية وزير الداخلية في الشق المتعلق بالمراسيم التطبيقية ومسطرة إعداد البرامج التنموية وانتهاج المقاربة التشاركية في اتخاذ القرارات التنموية، وتحقيق الأولويات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية المضمنة بالبرنامج الحكومي.
قرار يعكس لامسؤولية متخديه اعتبارا لمجموعة من العناصر الأساسية التي تجعله فارغ المحتوى، ويحمل في طياته هاجسا ذاتيا أكثر منه موضوعيا، اعتبارا لأن الإيواء السياحي يعد أحد أهم الحلقات الرئيسية في سلسلة القيم السياحية، والذي منحته وزارة السياحة اهتماما خاصا.
كما أن المشروع حاصل على تصنيف وزارة السياحة تطبيقا للقانون رقم 00-61، (الظهير الشريف رقم 176-02-1 الصادر في فاتح ربيع الآخر 1423 (13 يونيو 2002)، والذي يعد بمثابة النظام الأساسي للمؤسسات السياحية، كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 07-01 (الظهير الشريف رقم 60-08-1 الصادر في 23 ماي 2008 بتنفيذ القانون رقم 07-01 المتعلق بالإقامات العقارية للإنعاش السياحي).
وهو المشروع الذي تم تعميقه من خلال القانون الإطار رقم 14-80، المنشور في أكتوبر من عام 2015 بالجريدة الرسمية.
وهي القوانين التي تهدف إلى الرفع من إشعاع العرض السياحي الوطني عن طريق تكييف نظام التصنيف الفندقي مع تطور وتنوع عرض الإيواء السياحي، والذي يحدد نطاق التصنيف ومختلف أنواع الإيواء السياحي التي يمكن مزاولتها وطنيا؛ وعملية الترخيص والتصنيف التي تحدد مجموع الإجراءات الإدارية الواجب اتباعها من طرف أرباب المشاريع من أجل الحصول على تصنيف فندقي والشروع في استغلال مؤسساتهم.
إذن فالمؤسسة التي نحن بصدد الحديث عنها مرخص لها بالاشتغال من طرف وزارة السياحة وحاصلة على التصنيف المعتمد من قبل الوزارة بناء على معاينة اللجنة المختصة بمنح التصنيفات والتراخيص، كل ذلك تم منذ عام 2006، فكيف نأتي اليوم لنراجع كل هاته القرارات، وحتى وإن سلمنا بكل هذا فمن المسؤول عن السماح لهاته المؤسسة بالاشتغال من تاريخه وتقديم خدماتها للزبناء؟ ولم لم تفعل ذات المصالح القانون الذي يتم الحديث عنه اليوم؟ وهي أسئلة مشروعة من باب أن المؤسسة قائمة منذ 2006 وتشتغل ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم التراجع عن القرار بأثر رجعي، وأن الأمر لا يعدو أن يكون تصريف حسابات لا علاقة لها بالتدبير الجماعي، وإلا فالجهات المختصة مطالبة بإعمال القانون من كل الأطراف التي لم تعمل على إيقاف المشروع لحظة تهييئه، وضمنها السلطات الإقليمية والمحلية وأولها المجلس الجماعي الذي يتحدث اليوم عن احترام القانون وعن الصرامة في تطبيق القانون، فالمؤسسة موضوع القرار ليست وليدة اليوم بل إنها تشتغل منذ عام 2006، وأن هذا القرار الصادر يدخل في باب الشطط في استعمال السلطة ليس إلا.
فعمل المؤسسة من الناحية القانونية تم ضمن الأسس القانونية المتعلقة بإخضاع افتتاح أي مؤسسة إيواء سياحي لرخصة استغلال، تسلم بعد الحصول على التصنيف المؤقت واحترام المعايير المتعلقة بالمحافظة على الصحة والسلامة؛ والتي حصرها المشرع في مرحلتين، الأولى، يتم إنجازها من طرف هيئة مفتحصين متخصصين يعتمدون على معايير تقييم جودة الخدمات الفندقية، في منح تصنيف ومراقبة المؤسسات السياحية، والثانية، تندرج ضمن سياق المراقبة السرية، و التي تشكل عملية تكميلية لعملية التصنيف المنجزة من طرف هيئة المفتحصين المتخصصين والتي تنجز من طرف زبناء سريين لفائدة الإدارة، وتقديم تقرير حول جودة الخدمات المقدمة.
وهي القواعد التي نص عليها مشروع قانون رقم 14.80 المتعلق بالمؤسسات السياحية وأشكال الإيواء السياحي الأخرى، في الفقرة 6 من المادة 3، المتعلقة بالقصبات باعتبارها مؤسسة للإيواء مصممة في شكل مسكن محصن ومندمج في محيطه يتميز بمعمار تاريخي وباستعمال مواد خاصة في بنائه.
كما أن هذا القرار اللاقانوني يضرب في العمق مشروع القانون-الإطار رقم 22-03، والذي صادق عليه مجلس النواب ، الثلاثاء 18 أكتوبر 2022، والمتعلق بتنفيذ التوجيهات الملكية الواردة في خطاب جلالته، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، الداعية إلى وضع “ميثاق جديد ومحفز للاستثمار” في أسرع وقت ممكن.
وهو المشروع الذي يهدف إلى “بلوغ الاستثمار الخاص ثلثي الاستثمار الإجمالي في أفق 2035، وفقا لمضامين النموذج التنموي الجديد”، ضمن فلسفة تهدف إلى إحداث مناصب شغل قارة، وتقليص الفوارق بين أقاليم وعمالات المملكة في جذب الاستثمارات، ثم توجيه الاستثمار نحو القطاعات ذات الأولوية ومهن المستقبل، بالإضافة إلى تحسين مناخ الأعمال وتسهيل عملية الاستثمار، وكذا تعزيز جاذبية المملكة من أجل جعلها قطبا قاريا ودوليا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ثم تشجيع الصادرات وتواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي وتشجيع تعويض الواردات بالإنتاج المحلي.
وهي الأسس والقواعد القانونية التي تم ضربها من خلال هذا القرار غير المؤسس على أسس قانونية، والذي يضرب في العمق التوجيهات الرسمية للمملكة المغربية في باب تشجيع الاستثمار الذي يقتل في جماعة “سوق الخميس دادس” لاعتبارات ذاتية وانتقامية بعيدة كل البعد عن التدبير الجماعي في باب تشجيع الاستثمار وامتصاص جحافل البطالة، فالمفروض أن تؤسس قواعد التدبير على التقائية السياسات العمومية، والالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص فيما يخص منح رخص الاستغلال السياحي، وهو ما لا نجده على صعيد تراب هاته الجماعة، إذ مس قرار الإغلاق هاته المؤسسة دون غيرها من المؤسسات القائمة، لاعتبارات لا علاقة لها بالتدبير العقلاني للجماعة، والتي يجب أن تأخد في بعدها العام التنمية والتنمية المجالية كرافعة للتنمية الشاملة، وإيلاء العنصر البشري الأهمية ضمن هاته الاستراتيجية المحلية، فضلا عن تثمين القصبات باعتباره من الأولويات ضمن السياسة المندمجة لثتمين استغلال القصبات 2022 – 2026 ، وإعادة تأهيل القصور والقصبات مع مراعات الخصوصيات والاصالة المعمارية تحقيقا للتنميبة المستدامة.
وضع وعاه المجتمع المدني حيث طالبت مجموعة من الجمعيات في بيان صادر إلى إعادة النظر في قرار الإغلاق المتخذ، والأخذ بعين الاعتبار حقوق المستخدمين، الذين عانوا من الإغلاق المرتبط بجائحة “كورونا” لمدة سنة نصف، وليفاجأوا اليوم بإغلاق جديد ولكن هاته المرة من جائحة قرار لا قانوني ولا اجتماعي يضرب في العمق الاستقرار الاجتماعي عبر القذف بمجموعة من العاملين في الشارع نتيجة هذا القرار غير المؤسس.
من جهتها عبرت جمعية المآوي السياحية بجماعة “الوردة” عن تضامنها مع مدير المشروع السياحي منددة بقرار الإغلاق الذي اعتبرته يضرب في العمق التنمية المحلية والمجالية ويكرس واقع التهميش الذي تعاني منه المنطقة، مطالبة بالتراجع عن هذا القرار.
القرار الصادر لا يستند على أي معيار قانوني على اعتبار أن “دار الضيافة قصبة آيت قاسي” المتواجدة بتراب جماعة “سوق الخميس دادس”، عمالة إقليم تنغير، سبق أن منح لها ترخيص بالاشتغال من طرف عمالة إقليم ورزازات، وأيضا من قبل وزارة السياحة وتم منحها تصنيفا ارتباطا بذلك عام 2006، كما أنها تتوفر على سجل تجاري في هذا الباب، ومن تاريخه وهي تزاول مهامها بلا أية عراقيل تذكر، وحتى مع بداية تدبير المجلس الحالي برآسة السيد “يوسف أغزاف”، فما الذي حرك الراكد اليوم، ودفع لوضع العراقيل وتشريد عاملي المؤسسة السياحية؟
نقلا عن جريدة أصوات- Jounal Aswat