المغرب متضرر من التقسيم الاوروبي للقارة الافريقية
شهدت القارة الأفريقية خلال القرن التاسع عشر موجة من الاستعمار الأوروبي. نتج عنها تقسيم حدودي اعتباطي للدول الأفريقية. حيث اجتمعت القوى الاستعمارية الأوروبية في مؤتمر برلين عام 1884-1885 لتقسيم أفريقيا فيما بينها دون اعتبار للتكوينات الجغرافية. الاجتماعية أو الثقافية للشعوب التي تقطن القارة. كان لهذا التقسيم الارتجالي آثار كارثية على دول القارة، بما في ذلك المغرب.
قبل الاحتلال الأوروبي، كان للمغرب تاريخ طويل ومستقل كإحدى القوى السياسية الكبرى في شمال أفريقيا. إلا أن الأطماع الاستعمارية الأوروبية تزايدت أواخر القرن التاسع عشر. مما أدى لفرض معاهدات واتفاقيات جائرة بين المغرب والقوى الاستعمارية. من أهم هذه المعاهدات اتفاقية الحماية الفرنسية عام 1912، والتي قسمت المغرب إلى مناطق نفوذ فرنسية وإسبانية. كما أن هذه الاتفاقية لم تأخذ بعين الاعتبار الأواصر التاريخية والجغرافية بين المغرب وبقية الدول المجاورة، ما خلق مشاكل مستمرة فيما يخص الحدود والتواصل مع الشعوب المجاورة.
أحد أبرز جوانب هذا التقسيم هو رسم الحدود المصطنعة التي مزقت الروابط التاريخية والاجتماعية بين القبائل والمجموعات الإثنية التي كانت تمتد عبر مناطق متعددة. على سبيل المثال، تقسيم الصحراء الكبرى بين المغرب والجزائر من خلال الحدود الاستعمارية أدى لحدوث نزاعات مستمرة حول مناطق النفوذ. حيث لم تحترم تلك الحدود المصطنعة الأوضاع الاجتماعية أو التراثية للسكان المحليين.
تضرر المغرب اقتصاديًا من هذا التقسيم، حيث أدت الحدود المصطنعة لتفتيت التجارة البينية التي كانت تزدهر بين المغرب والدول المجاورة مثل موريتانيا والجزائر. كانت الصحراء الكبرى، قبل التقسيم الأوروبي، مركزًا رئيسيًا للطرق التجارية التي تربط شمال أفريقيا بجنوبها. مما وفر موردًا هامًا من التجارة عبر الحدود. إلا أن الحدود الجديدة قيدت الحركة التجارية وأضرت بالتنمية الاقتصادية للمناطق الحدودية.
لم يكن التأثير السلبي لهذا التقسيم مجرد مسألة اقتصادية، بل أدى أيضًا لتفتيت النسيج الاجتماعي والثقافي للشعوب التي تعيش على الحدود. العديد من القبائل التي كانت تتنقل بحرية عبر الصحراء الكبرى تم تقطيع أوصالها. مما أثر على هوياتهم الثقافية والاجتماعية. في كثير من الأحيان، كانت هناك شعوب وقبائل تنتمي لنفس المجموعة الإثنية. ولكنها أصبحت موزعة على دول مختلفة، مما أدى إلى تعميق الشعور بالعزلة والانقسام.
إحدى أبرز النتائج المدمرة للتقسيم الارتجالي الأوروبي للحدود هو النزاعات الحدودية التي اندلعت بين المغرب وجيرانه. النزاع حول الصحراء المغربية هو المثال الأبرز على هذه الصراعات، حيث أدى تقسيم الحدود المصطنعة لحدوث نزاع مستمر حول السيادة على هذه المنطقة.
وقد تسببت هاته النزاعات في توتر العلاقات بين المغرب والجزائر لعقود طويلة، مما أعاق التنمية المشتركة والاستقرار.
بالرغم من مرور عقود على نهاية الحقبة الاستعمارية، إلا أن آثار التقسيم الارتجالي للحدود لا زالت واضحة في العلاقات بين المغرب وجيرانه. حيث تستمر المشاكل الحدودية في تعقيد التعاون الإقليمي. وفي الوقت نفسه، تأثرت التنمية الاقتصادية بشكل كبير في المناطق الحدودية. حيث لا زالت هذه المناطق تعاني من نقص في البنية التحتية والخدمات نتيجة للتقسيم الذي فرض قيودًا على حركتها وقدرتها على الاستفادة من مواردها الطبيعية.
يبقى التقسيم الارتجالي الأوروبي للحدود الأفريقية واحدًا من أكبر الأخطاء التي ارتكبت في حق شعوب القارة. بالنسبة للمغرب، كانت الآثار كارثية على الصعيدين السياسي والاقتصادي. حيث لا تزال المملكة تعاني من تبعات هذا التقسيم حتى يومنا هذا. تتطلب هاته الحالة الاستعمارية المصنوعة حلاً شاملاً يتضمن التعاون الإقليمي، والاعتراف بالتاريخ المشترك، والبحث عن حلول سلمية للنزاعات الحدودية المستمرة.