إنطلقت صبيحة اليوم الثلاثاء بمقر البرلمان فعاليات مؤتمر المستقبل اليوم، “مؤتمر المستقبل” بمقر البرلمان ، بمشاركة دولية واسعة تضم برلمانيين، وزراء، وخبراء من مختلف دول العالم.
الحدث الدولي ، الذي ينظمه البرلمان المغربي بشراكة مع ، مع مؤسسة “لقاءات المستقبل” والبرلمان الشيلي، يعقد لأول مرة على أرض إفريقيا، يؤكد أن المملكة المغربية باتت رائدتا كمركز للحوار والتفكير في القضايا الاستراتيجية.
وفي كلمة له بالجلسة الإفتتاحية قال راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، إن “هذا اللقاء الذي نلتقي فيه ومن جديد من أجل قضية نبيلة، وهدف مشترك. إنه التساؤل بشأن المستقبل، وإعادة طرح الأسئلة بشأن المسؤوليات المشتركة في بناء هذا المستقبل، وبشأن عَمَّا الذي سَنُوَرٍّثُه لأطفالِ اليوم ولأجيالِ المستقبل على هذه الأرض”.
وأكد العلمي أن ” الأمرَ يتعلق، بمؤتمر بدون خلفيات ولا أجندة، غير هاجس تحسين جودة حياة الإنسان، والعيش المشترك بما يعنيه ذلك من سلمٍ، وأمنٍ، واستقرارٍ، وازدهارٍ مشترك، وتقاسمٍ لفوائد العلم والمعرفة، ولعَائِدِ التنمية والتقدم، واحترامٍ للطبيعة ومواردها”، مشيرؤا إلى أن “كل ذلك على أساس الاحترام المتبادل بين البشر، وبين الدول في حدودها السيادية كما يكرسها القانون الدولي وفق المعايير المتفق عليها في تعريف الدولة”.
واعتبر رئيس مجلس النواب، أن “هذه هي هواجسُ واهتماماتُ مؤتمرِ المستقبل ومؤسسةُ المستقبل الَّلذَيْن أُثْنِي على اختيارهما المملكة المغربية، لتكون أول بلد إفريقي يتشرف باستقبال رجال دولة كبار من الشيلي وبلدان أخرى صديقة وأكاديميين من أجل الحياة والمستقبل”.
وفي هذا السياق، أكد العلمي أن “المواضيع المتفق عليها في برنامج هذه الدورة، هي ذاتُها التحدياتُ الكبرى التي تواجه البشريةِ، في الحاضر وفي المستقبل، وهي تحدياتٌ على درجةٍ من الخطورة ومن التَّعْقِيد والاستفحالِ، ما يجعلُ عشَرات المؤتمرات، غير قادرة على تقديم الأجوبة عنها ؛ لذلك أعتبرُ اختيار مؤتمر المستقبل باقتراحِها كموضوع للتفكير والنقاش، ينطوي على حَصَافَةِ وحِكْمَةِ المتوجهين إلى المستقبل على ضوء المعرفة والعلم، واستحضار كون القرار السياسي الذي يَرْهَنُ هذا المستقبل لابد له دوما من الاسترشاد بما يُنْتِجُه المفكرون والعلماء، وما يتساءل بشأنه الشباب”.
وصرح رئيس مجلس النواب إلى أن “التحدياتِ التي تواجهُهَا البشرية، والمُعضلاتِ الناجمةِ عنها، يأكدُ أن الأمرَ، في جميع الحالات، يتعلق بالاستعجال”.
وقال العلمي إن “تحدي استعادة الأمن والسلم اللذين افْتَقَدَتْهُمَا العديد من شعوب العالم، التي تَعِبَتْ من الحروب والنزاعات المسلحة، يتطلب الالتزام بالقانون الدولي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واعتماد الديمقراطية كأسلوب للحكم، بدل أساليب حكم الحزب الواحد، والطائفة أو المجموعة، العرقية أو القبلية، الواحدة. وفي نظام دولي مُتَّسِم بالانشطَارِ المتعدِّد، وبعودةِ الأحلَاف والمَحَاوِر في العلاقات الدولية، ينبغي العمل باستراتيجيةِ الوقايةِ من الأزماتِ عوض انتظارِ انفجارِها ليُصَارَ إلى تدبيرِها. ومع كامل الأسف، فإننا نعيش بالقرب من منطقة ملتهبة بالنزاعات والحروب الداخلية والعابرة للحدود”.
وتجتمع ظروف عدم الاستقرار هذه، يضيف المتحدث ذاته، مع “الانعكاسات الخطيرة للتغيرات المناخية، لتنتج مآسي إنسانيةً ومعاناةِ ملايينِ البشر جرَّاءَ الهجرات، واللجوء والنزوح، هربا من الحروب أو من الجوع، أو من الجفاف، وانعدام مصادر العيش”.
وتابع العلمي بالقول “وهنا يطرح سؤال المسؤولية المشتركة بشأن مستقبل الكوكب الأرضي، وسؤال الاستدامة، وأيضا سؤال الإنصاف والعدالة المناخية، لشعوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية بالتحديد، التي تعاني من انعكاسات الاختلالات المناخية أكثر من غيرها، علما بأن مساهماتِها في ما يخص انبعاثاتِ الغازاتِ المُسَبِّبَة لاحْتِرارِ الأرض، لا تتجاوزُ %4 بالنسبةِ لإفريقيا و%8 بالنسبة لأمريكا اللاتينية”.
وأضاف أنه “علاقةً بما سبق تجتهدُ البشرية من أجل عَكْسِ inverser مؤشرات الاختلالات المناخية وتدهور البيئة الطبيعية، خاصة من خلال إنتاج الطاقة من مصادر متجددة. ومرة أخرى يطرح سؤال تكافؤ الفرص والتضامن العالمي في ما يخص توفير التكنولوجيا والابتكارات المستعملة في مشاريع الاقتصاد الأخضر. فكلفتُها الباهضةُ، والصرامةُ الزائدةُ في استعمالِ بَرَاءَاتِ الاختراع، تُضاعِفُ من تداعياتِ الاختلالات المناخية على بلدان الجنوب، خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية”، مشيرا إلى أنه “في قلب هذه الإشكالية يواجه أكثر من نصف سكان الأرض معضلة النقص الكبير في الموارد المائية”.
وفي علاقة بالتحديات المناخية، يشير العلمي، تتفاقم أزمات الغذاء، ويُطْرَح ضمانُ الأمن الغذائي كتحدي جيوستراتيجي، ويُستعمَل الغذاءُ والتموينُ، كسلاح في العلاقات الدولية، ووسيلةَ ضغطٍ في التوازنات الجيوسياسية. وفي هذه الإشكالية تبقى بلدانُ الجنوب، خاصة في إفريقيا، ضحية تقسيمٍ ظالمٍ للعمل على المستوى الدولي”.
واعتبر العلمي “تتحالف هذه التحديات مع تزايد المخاطر بظهور أزمات صحية، في شكل حروب بيولوجية، وظهور جوائح وأوبئة سريعة الانتشار في عالم مترابط، مُعَوْلَم ومتواصل، كما عشنا ذلك قَبْلَ سنواتٍ قليلة، مع جائحة “كوفيد 19″”، مذكرا “كيف ازدهرت الأنَانِيَاتُ الوطنية، وكيف تم احتكار اللقاحات، والأدوية ووسائل الوقاية، وامْتُحِن مفهوم التضامن الدولي في عز الأزمة”.
وتابع أنه “من سِمَاتِ القرن الواحد والعشرين التطورات التكنولوجية الفائقة والابتكارات المتسارعة التي تَنْتُج عن الذكاء الاصطناعي، الذي بِقَدْرِ ما يُوَفِّرُ خدماتٍ هائلةً وبسرعةٍ فائقةٍ، بقدرِ ما يُهَدِّدُ بتجاوز العقل البشري، ويجعل الإنسان أمام تحديات، قد لا يقدر على مواجهتها في المستقبل”.
وهنا تطرح عدة أسئلة، يؤكد العلمي “منها سؤال الاستعمالات والأخلاق، وسؤال استيلاب العقل البشري، وسؤال الهوة بين الشمال والجنوب في ما يرجع إلى التكنولوجيات والمعرفة والمعطيات، وسؤال حق الإنسان في الخصوصية، وفي حماية معطياته الشخصية، مما يجعل من المستعجل التوافق حول حكامة دولية بشأن استعمالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الفائقة عامة”.
وأشار إلى أنه “بقدر ما تُساهم التكنولوجياتُ المتطورة في تيسير الحياة، والأنشطة والخدمات، بقدر ما تنتج ظواهرَ سلبيةً في حياة المجتمعات والأسر، خاصة من خلال التشهير، والتضليل، والتطاول على الحياة الشخصية، فيما تعتبر عاملا من بين عوامل أخرى في تراجع الروابط الأسرية والاجتماعية، وهي بصدد المساهمة في تسريع عزلة الانسان والتعاطي السطحي والمتسرع في العلاقات الاجتماعية والمهنية، وتفاقم ظاهرة تراجع القراءة والتخلي عن استهلاك المحتويات ذات بالعمق الفكري”.
وشدد على أنه “تتعمق الهوة الرقمية داخل المجتمع الواحد وعلى المستوى الدولي، ويزداد تحكم الشركات الكبرى في مصائر المجتمعات وفي اقتصادها وفي اقتصاد المعرفة وفي أنماط الاستهلاك”.
أمام هذه التحديات، التي ليست أقْدَارًا لَا رَادَّ لها Ce ne sont pas des fatalités، دعا العلمي إلى “عدم الاستسلام للإحباط وعلى العكس، يتعين توحيد جهود المومنين بالعيش المشترك، والمستقبل المشترك، وبالديموقراطية، والتنوع، المتشبعين بقيم التضامن والسلم، من أجل : أولا : مواجهة الخطابات الانعزالية والنكوصية والمتطرفة التي تستغل الأزمات لتقويض القيم الإنسانية الكونية ؛ وثانيا العمل من أجل العدالة الدولية، في مجالات المناخ والتنمية والحصول على الغذاء والتكنولوجيا والمعرفة”.
“في هذا الصدد، يتعين علينا مواصلةُ الترافع من أجل العدالة المناخية لإفريقيا وأمريكا اللاتينية وبلدان الجنوب المتضررة عامة، وذلك بتفعيل الآليات التمويلية لتمكين بلداننا من التغلب على تداعيات الاختلالات المناخية، وتيسير تحويل التكنولوجيا الخضراء من الشمال إلى الجنوب”.يقول العلمي.
ودعا العلمي إلى “تقدير إمكانيات بلدان الجنوب في ما يخص إنتاج الغذاء، حيث إن أكثر من ثلثي 2/3 الأراضي القابلة للزراعة عبر العالم توجد في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، التي تتوفر على الثروات البشرية الشابة والمهارات القادرة على العمل، وحيث أكبر أسواق المستقبل”.
ودعا العلمي إلى “العمل من أجل السلم والأمن والاستقرار باعتبارها شروطا لا محيد عنها للتنمية والتقدم والاستثمار، وإعطاء الفرص للشباب في الشغل، وفتح الآفاق أمامهم. في هذا الصدد، ينبغي أن نستحضر دوما أن حجر الزاوية في النظام الدولي والقانون والعلاقات الدولية هي احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وترابها الوطني، والوقاية من الأزمات.. والاستثمار في التربية، والتكوين، والتعليم، وإعادة الاعتبار للمدرسة وللفضاء العام، وإعادة الاعتبار للقراءة والكتاب والمعرفة، من أجل تمنيع الشباب ضد الاستعمالات السلبية للتكنولوجيا وتوظيفها من أجل المعرفة الإيجابية”.
واعتبر العلمي أنه “على بلدان الشمال والبلدان الغنية، على العموم، أن تدرك أن مستقبل شعوبها هو مع مستقبل شعوب الجنوب، وأن العولمة ليست استهلاكا وتجارة في اتجاه واحد، بل هي انفتاحٌ، وقبولٌ بالآخر، وتضامنٌ، وتقاسمٌ للمعرفة والمهارات والتكنولوجيات واستثمارات وفق منطق رابح-رابح، وأن الهجرة لا يمكن أن تظل انتقائية تيسر فقط هجرة الأدمغة من الجنوب إلى الشمال”.
وشدد العلمي في كلمته أن “المغرب بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، لديه الكثير مما يقدمه في مواجهة مجموع تحديات ومعضلات القرن الواحد والعشرين كما تشهد على ذلك مشاريعه في مجال الاقتصاد الأخضر، وكما يتأكد ذلك من أدواره من اجل السلم الإقليمي والعالمي، ومن مبادرات التضامن مع أشقائه في إفريقيا التي نفتخر بالانتماء إليها”.