يتصاعد التنافس بين المغرب والجزائر، حيث تظهر مؤشرات على تراجع الدور الجزائري التقليدي في مقابل صعود مغربي مدعوم بشراكات اقتصادية واستراتيجيات تنموية طموحة.
تراجع النفوذ وسط أزمات متعددة
تشهد الجزائر تراجعاً ملحوظاً في نفوذها الإقليمي، خاصة بعد تعثر مشروع أنبوب الغاز الثلاثي مع نيجيريا والنيجر، والذي علقته نيامي بسبب خلافات فنية وسياسية. كما تواجه الجزائر توترات دبلوماسية مع دول الساحل، أبرزها الأزمة الناجمة عن إسقاط طائرة مسيرة مالية، مما دفع باماكو إلى إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الجزائرية وتجميد التعاون الأمني المشترك.
وأضافت أزمة ترحيل آلاف المهاجرين النيجريين في ظروف مثيرة للجدل مزيداً من التعقيدات، حيث استدعت النيجر سفيرها من الجزائر احتجاجاً على هذه الخطوة. هذه التطورات أضعفت موقع الجزائر كوسيط أمني تقليدي في المنطقة، خاصة مع صعود نفوذ القوى الدولية مثل مجموعة “فاغنر” الروسية، التي باتت تلعب دوراً محورياً في الملف الأمني بالساحل.
استراتيجية اقتصادية لتعزيز النفوذ
في المقابل، يعتمد المغرب مقاربة براغماتية تقوم على تعزيز التعاون الاقتصادي والبنى التحتية مع دول الساحل، مستفيداً من عزلة هذه الدول بعد انسحابها من تجمع “إيكواس”. وتتمثل إحدى أبرز مبادرات الرباط في مشروع ربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي عبر الموانئ المغربية، مما يوفر منفذاً بحرياً حيوياً لدول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
كما يسير المغرب بخطى ثابتة نحو تنفيذ مشروع أنبوب الغاز الأطلسي، الذي يهدف إلى نقل الغاز النيجيري عبر 15 دولة إفريقية إلى أوروبا عبر الأراضي المغربية. إلى جانب ذلك، أطلقت الرباط مبادرة “إفريقيا الأطلسية” لتعزيز التكامل الاقتصادي والأمني بين الدول المطلة على المحيط الأطلسي.
موريتانيا.. ساحة التنافس الجديدة
أصبحت موريتانيا نقطة محورية في الصراع بين المغرب والجزائر، حيث تسعى الجزائر لتعزيز وجودها عبر اتفاقيات اقتصادية مثل خط النقل البحري إلى ميناء نواذيبو والطريق البري المزمع إنشاؤه بين تندوف والزويرات. لكن المغرب، من جهته، يعمق شراكاته مع نواكشوط في مجالات الصيد البحري والزراعة والبنية التحتية، مع تراجع ملحوظ في استقبال موريتانيا لقادة جبهة البوليساريو، مما يعكس تحولاً في تحالفاتها الإقليمية.
معادلة جديدة للنفوذ
في الوقت الذي تواجه فيه الجزائر تحديات دبلوماسية وأمنية تعيق دورها الإقليمي، يبرز المغرب كلاعب ديناميكي يعتمد على الرؤية الاقتصادية والاستثمار في البنى التحتية. ومع ذلك، تبقى الجزائر فاعلاً أمنياً مهماً رغم تراجع نفوذها، لكن نجاحها في استعادة مكانتها مرهون بقدرتها على تجاوز أزماتها الداخلية والخارجية وتنسيق سياساتها مع التحولات الجديدة في المنطقة.
هل يستطيع المغرب تعزيز مكاسبه في ظل تنامي التنافس الدولي على الساحل؟ وهل ستتمكن الجزائر من إعادة بناء نفوذها عبر تحالفات جديدة؟ الإجابة ربما تكمن في قدرة كل طرف على موازنة الاقتصاد والأمن في معادلة إقليمية شديدة التعقيد.
المصدر :إيش نيوز