قضت المحكمة الدستورية المغربية بعدم دستورية بعض مقتضيات القانون رقم 23.02 المتعلق بالمسطرة المدنية، مؤكدةً أن النصوص المُطعون فيها تتعارض مع مبدأ فصل السلط واستقلالية القضاء، وهي الركائز الأساسية للنظام الدستوري للمملكة.
أعلنت المحكمة أن الفقرة الثانية من المادة 624، والفقرتين الثالثة والأخيرة من المادة 628 من قانون المسطرة المدنية غير متوافقة مع الدستور، وذلك لكونها تخوِّل وزارة العدل – وهي سلطة تنفيذية – صلاحية تدبير النظام المعلوماتي الخاص بالمساطر القضائية، بما في ذلك تعيين القضاة المكلفين بالملفات وتوزيع القضايا، وهو ما اعتبرته المحكمة تدخلاً في الصلاحيات الحصرية للسلطة القضائية.
واستند القرار إلى الفصلين 1 و154 من الدستور، اللذين يُرسيان مبادئ فصل السلط وتعاونها، والحكامة الجيدة، وضرورة خضوع المرافق العمومية لمعايير الجودة. كما استحضرت المحكمة المادة 54 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، التي تنص على إنشاء هيئة مشتركة للتنسيق في مجال الإدارة القضائية، مع الحفاظ على استقلال القضاء.
أكدت المحكمة أن الشأن القضائي – خاصة توزيع القضايا وتعيين القضاة – هو من صميم اختصاصات السلطة القضائية وحدها، ولا يجوز التنسيق فيه مع السلطة التنفيذية إلا في حدود التعاون دون المساس بالاستقلال. واعتبرت أن تخويل وزارة العدل مسك قاعدة بيانات النظام المعلوماتي وتدبيره يُعد انتقاصاً من هذا الاستقلال، ويُهدد مبدأ الحياد والنزاهة القضائية المنصوص عليه في الفصل 120 من الدستور.
ورغم أن المحكمة أقرت بأهمية التعاون بين السلطات لتحقيق “النجاعة القضائية” عبر الرقمنة، إلا أنها شددت على أن أي نظام معلوماتي يمسُّ العمل القضائي يجب أن يكون تحت إشراف السلطة القضائية وحدها، مع إمكانية التنسيق مع وزارة العدل في الجوانب التقنية فقط.
يُعتبر هذا القرار انتصاراً لمبدأ استقلال القضاء، ويُرسي سابقةً قانونيةً تمنع أي تدخل تنفيذي أو تشريعي في الصلاحيات القضائية الجوهرية. كما يُلزم المشرع بإعادة صياغة النصوص المُلغاة بما يضمن توافقها مع الدستور، مع تركيز صلاحية تدبير الأنظمة المعلوماتية القضائية بيد المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
يُذكر أن هذا القرار يأتي في سياق النقاش الدستوري حول ضمانات استقلال القضاء، خاصة بعد التعديلات الدستورية لسنة 2011 التي عززت مكانة السلطة القضائية. وهو ما يعكس حرص المحكمة الدستورية على حماية الدستور وترسيخ دولة القانون، في ظل توازن دقيق بين السلطات يحفظ حقوق المتقاضين ويُعزز ثقة المواطنين في العدالة.